الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يكفر المرء بمجرد إتيان الساحر، وإنما يكفر إذا اقترن ذلك بمكفّر، كاعتقاد أن الساحر يعلم الغيب، أو طاعته إذا أمر بالتقرّب للجان بالذبح، ونحوه من أعمال الكفر، وهذا منتفٍ في حال من وصفه السائل بقوله: (وهذا الشخص لا يستحلّ الذهاب للسحرة، ولا يزعم أنهم يعلمون الغيب، ولا ترضيه الشركيات الموجودة بالسحر).
بل إن الساحر نفسه لا يكفر هكذا بإطلاق عند جمع من أهل العلم المحققين؛ فإن السحر منه ما هو كفر، ومنه ما هو دون ذلك، قال النووي في شرح مسلم: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع ... ومختصر ذلك أنه قد يكون كفرًا، وقد لا يكون كفرًا، بل معصيته كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا، وأما تعلّمه وتعليمه؛ فحرام، فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قد استدلّ بهذه الآية -يعني قوله تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ {البقرة:102}- على أن السحر كفر، ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها، وهو التعبّد للشياطين، أو للكواكب، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة، فلا يكفر به من تعلمه أصلًا. اهـ.
وراجع في ذلك الفتويين: 212314، 229636.
والله أعلم.