الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن إهانة الزوج زوجته، وطرده لها من البيت؛ يتنافى مع ما أمره به الشرع من حسن التعامل مع زوجته، كما في قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.
قال السعدي في تفسيره: على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. اهـ.
وينبغي أن يكون بين الزوجين تفاهم، وحرص على حل مشاكلهما بِتَرَوٍّ وحكمة، فإن أمكن بقاء العصمة على خير، وإلا فليكن الفراق بالحسنى، كما قال الله سبحانه: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ {البقرة:229}.
وإن كان الحال ما ذكر من كون هذا الزوج يقوم بهذه التصرفات، ولا سبيل لزوجته لإثبات هذه التصرفات عند القاضي إلا عن طريق تسجيل كلام زوجها، وتصوير تصرفاته، ونسخ محادثاته الإلكترونية، فالذي يظهر لنا -والله أعلم- أنه لا حرج عليها في القيام بذلك، خاصة وأنها تدفع به الضرر عن نفسها بسفرها لحضور المحاكمة بناء على دعاويه؛ فقد أجاز بعض الفقهاء شهادة المستخفي لكون المصلحة داعية لذلك، ولم يعتبروه تجسسا.
قال ابن قدامة في المغني عند قول الخرقي في المختصر: (وتجوز شهادة المستخفي إذا كان عدلا): المستخفي هو الذي يخفي نفسه عن المشهود عليه ليسمع إقراره، ولا يعلم به مثل من يجحد الحق علانية، ويُقِرّ به سِرًّا، فيختبئ شاهدان في موضع لا يعلم بهما ليسمعا إقراره به، ثم يشهدا به. فشهادتهما مقبولة على الرواية الصحيحة، وبهذا قال عمرو بن حريث، وقال: "كذلك يفعل بالخائن والفاجر". وروي مثل ذلك عن شريح، وهو قول الشافعي. اهـ.
وقال الزركشي في شرحه على مختصر الخرقي: وإنما قال الخرقي : إذا كان عَدْلًا؛ لئلا يتوهم أن هذا يدخل تحت قوله تعالى :{ ولا تجسسوا } فيكون مرتكبا للنهي، فيمنع من الشهادة لذلك، فأشار إلى أن هذا التجسس غير ممنوع منه للحاجة الداعية.... اهـ.
وما جاز للحاجة يقدر بقدرها، فلا يجوز تجاوز قدر الحاجة.
والله أعلم.