الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما هل سيحاسب والدك أو لا؟ فهذا لا يعلمه إلا الله، حتى من وقع في معصية ظاهرة، ومات مصرا عليها، ولم يتب منها. فإنه لا يستطيع أحد من الخلق أن يحكم عليه بأن الله سيحاسبه، فقد يحاسبه، وقد يعفو عنه -سبحانه- نسأل الله أن يعفو عنا.
والذي يمكن الكلام فيه هو صحة الهبة من عدمها، وما دام أن والدك قد وهبك السيارة وحزتيها، ومات والدك؛ فالسيارة لك. والهبة ماضية، في قول المذاهب الأربعة، حتى عند الحنابلة، فهم يوجبون العدل في العطية للأولاد، ولكن ينصون على أنه لو مات الوالد قبل أن يعدل، ثبتت الهبة.
وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يجب على من فضله أبوه أن يرد ما فضل به، وإن مات الوالد قبل التعديل.
قال ابن قدامة في المغني: إذَا فَاضَلَ بَيْنَ وَلَدِهِ فِي الْعَطَايَا، أَوْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّةٍ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، ثَبَتَ ذَلِكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَزِمَ، وَلَيْسَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ. هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمَيْمُونِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ، وَصَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ أَنْ يَرْتَجِعُوا مَا وَهَبَهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيَّانِ. وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِسْحَاقَ. اهــ.
وأما هل على والدك إثم بذلك التفضيل أم لا؟ فالمفتى به في موقعنا وجوب العدل، ولكن لا نستطيع أن نحكم على والدك بالإثم لمجرد أننا نرجح الوجوب، فقد يكون -رحمه الله- قد استفتى أحدا من أهل العلم، فأفتاه بعدم وجوب التفضيل، وعمل بفتواه. فلا إثم عليه حينئذ. وربما رأى أن هناك مسوغا للتفضيل، فوهب لك السيارة بناء على ذلك الظن، ولا إثم عليه حينئذ.
والمهم الآن أن تدعي له بالمغفرة والرحمة، وإن أردت العمل بالأحوط فردي ما وهبه لك إلى التركة، واقسميه مع بقية الورثة القسمة الشرعية، وانظري لهذه المسألة الفتوى: 376210.
والله أعلم.