الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا إثم عليك إذا لم تتزوج بسبب عدم استطاعتك الزواج؛ فالتكليف منوط بالقدرة، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا يكلف نفسا إلا ما آتاها، وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- السبيل لمن عجز عن الزواج، ففي صحيح البخاري عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- شبابا لا نجد شيئا، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا معشر الشباب، من استطاع الباءة، فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء.
وأمّا إذا قدرت على الزواج، وكنت تخشى الوقوع في الحرام؛ فلا يسعك في هذه الحال ترك الزواج.
قال البهوتي -رحمه الله-: وَيَجِبُ النِّكَاحُ بِنَذْرٍ، وَ عَلَى مَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ زِنًا، وَقَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ ظَنًّا ...... لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ، وَصَرْفهَا عَنْ الْحَرَامِ، وَطَرِيقُهُ النِّكَاح. انتهى.
ولا ريب في أنّ كل ما يجري للعبد؛ فهو من أقدار الله تعالى التي يجريها بحكمته البالغة، ورحمته الواسعة، فهو -سبحانه وتعالى- أعلم بمصالح العبد من نفسه، وأرحم به من أبيه وأمه.
وما يصيب العبد من مصيبة إلا بسبب من عند نفسه، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدْ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. انتهى.
فبادر بالتوبة إلى الله تعالى توبة عامة صادقة، وأقبل على ربك، واجتهد في طاعته، ومن أعظم أبواب الطاعة برّ الوالدين، فاحرص على برّ أبيك، والإحسان إليه، واسترضائه، فإنّ ذلك من أسباب رضوان الله، وتوفيقه لك في كل أمورك.
واجتهد في تعلّم ما ينفعك في أمور دينك، وفي أمور معاشك، واستعن بالله، ولا تعجز، واطرق أبواب الكسب الحلال، وخذ بأسباب تحصيله، وتوكل على الله تعالى، وأبشر بعدها بكل خير، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق: 2ـ3}.
وننصحك بالبحث عن زوجة ترضى بحالك، ولن تعدمها -بإذن الله تعالى-، فلعلها تكون فاتحة خير عليك، فالزواج من أسباب الرزق.
والله أعلم.