الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي نعلّق به على رسالتك يتلخص في نقاط:
إحداها: أنك تنظر إلى البلاء، ولا تنظر إلى العافية؛ فهناك من البشر ملايين في شر من حالك، وأسوأ مما أنت عليه، ملايين ربما لا يجدون لقمة يأكلونها، ولا ثوبًا يواري عوراتهم، وأنت قد رزقك الله هذا كله، ورزقك صحة وافرة، ورزقك عقلًا سليمًا، وغير ذلك من نعمه عليك، التي لو فكرت في الواحدة منها لم تُحصِ شكرًا لها.
فعليك أن تنظر في الدنيا لمن هو دونك، ولا تنظر إلى من هو فوقك؛ لئلا تزدري نعمة الله عليك.
والنقطة الأخرى أن الدنيا بأسرها لو فاتت، وحصل للعبد مقصوده من القرب من الله تعالى، والعمل للدار الآخرة؛ لم يفته شيء على الحقيقة.
فكل ما ذكرته في سؤالك إنما هو أشياء لا ينبغي للمسلم أن يجعلها أكبر همّه، ومبلغ علمه، بل المسلم الحق لا يأسى على ما فاته؛ لعلمه أنه لم يخلق له، ولم يقدّر له في الأزل.
ونقطة أخرى مهمة، وهي: أن السعي في رضا الله تعالى، سبيل حصول الخير في الأولى والآخرة، وهو سبيل عظيم لحصول رضا القلب، وطمأنينة النفس، حتى وإن فاتت بعض أعراض الدنيا.
ونقطة أخرى، وهي: أن كثيرًا من مظاهر فشلك الذي تذكره، قد يكون له أسباب حسية، يجب الأخذ بها، لم تتوفر عليها.
فعليك أن تسعى في معالجة تلك الأسباب، ومعرفة ما أدّى إلى حصول هذا الفشل لتستدركه؛ فإن من القدر ما فيه حيلة، فمن الحمق العجز عنها، ومنه ما لا حيلة فيه، فمن الحمق الجزع منها.
وحينئذ تشرع في علاج مشاكلك بطريقة علمية واعية، وقلب مؤمن راض مستسلم لحكم الله، عالم بأن قضاء الله له خير، وأن تدبير الله له خير من تدبيره لنفسه، وأن الله أرحم به من أمّه التي ولدته، ناظر إلى نعم الله عليه، شاكر لها، مُثنٍ عليه بها، عالم أن الشكر سبب المزيد، كما قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7}.
نسأل الله أن يصلح حالك، ويبدّله لأحسن حال.
والله أعلم.