لو فاتت الدنيا بأسرها وحصل للعبد مقصوده من القرب من الله لم يفته شيء على الحقيقة

20-4-2022 | إسلام ويب

السؤال:
أنا شاب عمري 23 عامًا، وهناك كلام يخطر في بالي دائمًا، وأخشى أن يكون اعتراضًا على حكم الله.
بكل صدق وأمانة، ودون أي مبالغة لا يوجد شيء فعلته إلا وأغلق الباب في وجهي -من علاقات، أو عمل، أو دراسة، أو مشاريع، أو صداقات، أو وضع مادي، أو سمعة، أو حب، حتى أبسط الأشياء وجدتها مغلقة في وجهي-، وأقسم أن الحياة أصبحت جحيمًا، فأسأل نفسي حينها: هل يعقل أن كل ما أفعله شر، وأن ما يحدث خير لي، كما قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ!؟
لا أستطيع أن أقتنع بهذا؛ لأن الحال التي وصلت لها مزرية جدًّا جدًّا، وحاولت مئات المرات أن أبدأ حياة جديدة، لكني أقسم بالله أن الفشل والحظ السيئ يلاحقني أين ما ذهبت.
أنا لا أتكلّم عن فشل، أو اثنين، أو ثلاثة، بل عن مئات المحاولات التي فشلت بها في كل شيء.
وعلى افتراض أنني حصلت عليه، أحصل عليه ناقصًا، وهذا بعد أن تنطفئ نار الشغف داخل قلبي، وأصبح كارهًا له.
أكاد أصاب بالجنون عندما أرى غيري ينجح، ويعيش حياة طبيعية وأنا لا أستطيع، ولا يوجد مهرب.
حياتي الاجتماعية أعاجيب، لا يمكن تصديقها، فهناك أشخاص حاولوا تلطيخ سمعتي، ونجحوا في ذلك، وأشخاص استغلّوا طيبة قلبي، فحطموا قلبي، وأشخاص كانوا أول من تركوني عندما دارت الدنيا عليّ، بعدما وقفت معهم في أسوأ حالاتهم، والناس ينفرون مني دون سبب.
في دراستي لم أستطع إكمالها بسبب وضعي المادي، وتقدّمت لعشرات المنح ورفضت، وتقدّمت لدورات تدريبية ورفضت، وتقدّمت للتدريبات المهنية ورفضت، وحاولت أن أبدأ مشروعي الخاص، وتقدّمت لأكثر من 33 منحة ريادية طيلة 4 سنوات، فرفضت من جميعها.
أقسم بالله أنني أحيانًا حتى وأنا بعيد عن البشر تأتيني المصائب، وفي أمور ليس لي أي علاقة بها، وأي شيء أقوم به دائمًا يفسّر بالظن السيئ!
أنا الآن وحيد في منزلي، تنصب عليّ الهموم، والمشاكل كسرت ظهري، وأصبت بوسواس قهري يأكل دماغي كل يوم، وأرق، وصداع دائم، وضيق تنفس، وحالتي الصحية سيئة، ومن نظر لي ظنّ أنه يتكلم مع رجل عمره 50 عامًا، دون أي مبالغة، فأين الخير في حياة مدمّرة في كل جوانبها؟

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

  فالذي نعلّق به على رسالتك يتلخص في نقاط:

إحداها: أنك تنظر إلى البلاء، ولا تنظر إلى العافية؛ فهناك من البشر ملايين في شر من حالك، وأسوأ مما أنت عليه، ملايين ربما لا يجدون لقمة يأكلونها، ولا ثوبًا يواري عوراتهم، وأنت قد رزقك الله هذا كله، ورزقك صحة وافرة، ورزقك عقلًا سليمًا، وغير ذلك من نعمه عليك، التي لو فكرت في الواحدة منها لم تُحصِ شكرًا لها.

فعليك أن تنظر في الدنيا لمن هو دونك، ولا تنظر إلى من هو فوقك؛ لئلا تزدري نعمة الله عليك.

والنقطة الأخرى أن الدنيا بأسرها لو فاتت، وحصل للعبد مقصوده من القرب من الله تعالى، والعمل للدار الآخرة؛ لم يفته شيء على الحقيقة.

فكل ما ذكرته في سؤالك إنما هو أشياء لا ينبغي للمسلم أن يجعلها أكبر همّه، ومبلغ علمه، بل المسلم الحق لا يأسى على ما فاته؛ لعلمه أنه لم يخلق له، ولم يقدّر له في الأزل.

ونقطة أخرى مهمة، وهي: أن السعي في رضا الله تعالى، سبيل حصول الخير في الأولى والآخرة، وهو سبيل عظيم لحصول رضا القلب، وطمأنينة النفس، حتى وإن فاتت بعض أعراض الدنيا.

ونقطة أخرى، وهي: أن كثيرًا من مظاهر فشلك الذي تذكره، قد يكون له أسباب حسية، يجب الأخذ بها، لم تتوفر عليها.

 فعليك أن تسعى في معالجة تلك الأسباب، ومعرفة ما أدّى إلى حصول هذا الفشل لتستدركه؛ فإن من القدر ما فيه حيلة، فمن الحمق العجز عنها، ومنه ما لا حيلة فيه، فمن الحمق الجزع منها.

وحينئذ تشرع في علاج مشاكلك بطريقة علمية واعية، وقلب مؤمن راض مستسلم لحكم الله، عالم بأن قضاء الله له خير، وأن تدبير الله له خير من تدبيره لنفسه، وأن الله أرحم به من أمّه التي ولدته، ناظر إلى نعم الله عليه، شاكر لها، مُثنٍ عليه بها، عالم أن الشكر سبب المزيد، كما قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7}.

نسأل الله أن يصلح حالك، ويبدّله لأحسن حال.

والله أعلم.

www.islamweb.net