الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن مسألتك هذه صارت مسألة منازعة بينك وبين صديقك، ومعلوم أن الفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوّره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه.
والمضاربة الشرعية إذا حصل فيها خسارة، يخسر كل من المضارب وصاحب رأس المال ما شارك به؛ فيخسر المضارب جهده، ويخسر صاحب رأس المال ماله، ولا يضمن المضارب شيئًا من المال إلا في حال التعدّي، أو التفريط. وراجع الفتويين التاليتين: 386281 ، 206356 .
ولا يتغير هذا الحكم حتى ولو اشترط ربّ المال على المضارب، أو اشترط هو على نفسه أن يشارك في الخسارة؛ فهذا الشرط باطل باتفاق الفقهاء، ويبقى العقد صحيحًا عند الجمهور، قال الخرقي في مختصره: إن اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما، والوضيعة عليهما، كان الربح بينهما، والوضيعة على المال. اهـ.
وقال ابن قدامة في شرحه «المغني»: وجملته أنه متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهمًا من الوضيعة؛ فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافًا. والعقد صحيح. نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة، ومالك. اهـ. وانظر للفائدة الفتويين: 68533، 170445.
وعلى ذلك؛ فإنه لا يلزم العامل دفع شيء من هذا المال، إلا إذا كانت الخسارة وقعت بسبب تعدّيه بفعل ما لا يجوز، أو تفريطه بترك ما يجب، وهذا إنما يحكم فيه أهل الخبرة في هذا المجال.
والله أعلم.