الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإننا في البدء نهنئ هذه الأخت على أن أنعم الله عليها بالدخول في الإسلام، نسأل الله تعالى لها الثبات عليه حتى الممات، ونشكرها على حرصها على الاستقامة، وتربية الأولاد على عقيدة وقيم الإسلام. فجزاها الله خيرا، وتقبل منها صالح الأعمال.
وأما سؤلك؛ فلم يتبين لنا وجه الاستشكال فيه، فإن كان عدم توثيقه لدى الجهات الرسمية إلا بعد أربع سنوات كما ذكرت، فهذا لا يضر، ولا يؤثر على صحته؛ فالتوثيق ليس واجبا، ولكنه مستحب.
قال ابن جزي المالكي في القوانين الفقهية: ( المسألة الخامسة): في كتاب الصداق، وليس شرطا، وإنما يكتب هو وسائر الوثائق توثيقا للحقوق، ورفعا للنزاع. اهـ.
وعلى كلٍّ، فزواجكما ماضٍ، ولا علاقة له بما تجده في حياتك من ابتلاءات، فقد لا تكون عقوبة على ذنب، إذ ليس كل ابتلاء شرا وعقوبة للمبتلى، بل قد يكون الابتلاء بسبب محبة الله للعبد، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وروى الترمذي في سننه عن سعد -رضي الله عنه- قال قلت: يا رسول الله؛ أيُّ الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة.
وقد تكون للعبد درجة عند الله لا يستطيع أن يصل إليها بعمله، فيبتليه الله بما يكفر عن سيئاته، أو يرفع من درجاته حتى يوصله إليها.
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجل الغايات، وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة، فصورته صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان ... فلله سبحانه من الحكم في ابتلائه أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته، وهل وصل من وصل الى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إلا على جسر المحنة والابتلاء؟. انتهى
وعلى كل حال عليك أن تعرض عن الوساوس في هذا، وأن تقبل على حياتك، وأن تحمد الله على ما أنعم به عليك من صلاح الزوجة والذرية، وأن تتفكر فيما أنت فيه من النعم؛ ليهون عندك ما تلقاه من مصائب، وتدبر قوله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
واجتهد بالدعاء، والتقرب إلى الله، واعلم أن أمر المؤمن كله له خير، كما في الحديث الصحيح: عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له. رواه مسلم.
والله أعلم