الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحقّ الوالدين عظيم، وفضلهما على الولد كبير، فمهما عمل من البرّ؛ فهو قليل في حقّهما، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجزي ولد والدًا، إلا أن يجده مملوكًا، فيشتريه، فيعتقه.
ومن حقوق الوالدين على الولد: أن ينفق عليهما، إذا احتاجا إلى الإنفاق.
أمّا إذا لم يكونا محتاجين؛ فلا يجب عليه أن ينفق عليهما، أو يعطيهما شيئًا من ماله، إلا أن يتبرّع بذلك إحسانًا إليهما.
وليس من حقّ الوالد مطالبة ولده بما أنفقه عليه في الصغر، لكن الشقة التي أعطاك إياها لتسكن فيها بأجرة؛ فمن حقّه مطالبته بأجرتها، وراجع الفتاوى: 6630، 1699270 65112.
والذي نوصيك به: أن تحسن إلى والديك، وأن تعطي أباك من مالك ما تقدر عليه، ولا تشعره أنّك تتصدّق عليه، ولا تخاطبه بما يؤذيه.
وليس في ذلك إعانة لأبيك على الكِبْر -والعياذ بالله- كما تتوهّم، ولكنّه إحسان إليه، واجتناب لإيذاء مشاعره؛ فاحرص على استرضائه، ومخاطبته بالأدب، والتوقير، والتواضع، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23-24]، قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله، وسكناته، ونظره، ولا يحدّ إليهما بصره؛ فإن تلك هي نظرة الغاضب. انتهى.
وأبشر ببركة برّ والديك؛ فإنّه من أعظم أسباب رضوان الله، ودخول الجنة، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت، فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.
والله أعلم.