الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتعميم السبّ لأهل بلد أو شعب بأكمله؛ إثم وكذب فاحش، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم الناس فرية اثنان: شاعر يهجو القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه. رواه إسحاق بن راهويه في مسنده، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، وحسنه ابن حجر في الفتح.
قال الصنعاني في شرح الجامع الصغير: الهجو الشتم بالشعر، وإنما كان شاتم القبيلة بأسرها أعظم فرية؛ لأنه شتم من لا ذنب له، وسب من لا يعرفه، وهتك كم من عرض مصون.. اهـ.
ومثل هذا تلزم التوبة فيما بينه وبين الله تعالى.
وأما تَعلّق حق كل منهم به، أو وجوب استحلالهم جميعًا؛ فهذا متعذّر، وقد لا يُتصور! ولا سيما باعتبار من مات منهم، ومن سيأتي بعد ذلك؛ ولذلك فإن أهل العلم ينصّون على نفي وقوع الغيبة لقبيلة بأكملها، أو لأهل بلد بأجمعهم؛ أو لأناس غير معينين، قال الخطابي في «أعلام الحديث» عند حديث أم زرع: فيه أن بعضهنّ قد ذكرن عيوب أزواجهنّ، فلم يكن ذلك غِيبة؛ إذ كانوا لا يُعرفون بأعيانهم وأسمائهم, وإنما الغيبة أن يقصد الأعيان من الناس، فيُذكروا بما يكرهونه من القول، ويتأذون به. اهـ.
وقال السمرقندي في «عيون المسائل»: لو أن رجلًا اغتاب أهل كورة، لم تكن غيبة حتى يسمي قومًا معروفين. اهـ.
وقال الحلبي في «ملتقى الأبحر»: ولا غيبة إلا لمعلوم، فاغتياب أهل لقرية، ليس بغيبة. اهـ.
وقال زروق المالكي في «النصيحة الكافية»: ذكر رجلين ما اطلعا عليه من رجل، ليس بغيبة، وكذا ذكر غير معين، ولا محصور بأهل بلد وقرية. اهـ. وراجع في ذلك الفتاوى: 18728، 49343، 96668.
ومثل هذا لا يعزّر لحق كل واحد من أهل هذه البلد، بل يعزّر لحق الله تعالى مرة واحدة، قال الحجاوي في «الإقناع»: لو توجّه عليه تعزيرات على معاصٍ شتى، فإن تمحضت لله، واتحد نوعها أو اختلف: تداخلت، وإن كانت لآدمي وتعددت: كأن سبّه مرات، ولو اختلف نوعها، أو تعدد المستحق، كسبّ أهل بلد، فكذلك. اهـ.
ومع ذلك؛ فلو استغفر لأهل هذا البلد، وأثنى عليهم بما فيهم من خير؛ لكان ذلك أبرأ لذمّته، وأرجى لقبول توبته.
والله أعلم.