الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمجرد القذف خارجا، أو العزل عن الزوجة: لا يبيح نفي الولد، قال السرخسي في «المبسوط»: إن كان يعزل عنها فصب الماء من فوق، فربما يعود إلى فرجها، فتحبل به؛ ولهذا لا يسعه نفي الولد، والأصل فيه ما روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لما سئل عن العزل قال: إذا أراد الله خلق نسمة من ماء فهو خالقها، وإن صببتم ذلك على صخرة، فاعزلوا أو لا تعزلوا. اهـ.
وقال خليل في مختصره: ولا يعتمد فيه -يعني نفي الولد- على عزل، ولا مشابهة لغيره، وإن بسواد، ولا وطء بين الفخذين إن أنزل. اهـ.
وقال الباجي في المنتقى: من أنكر ولده بالعزل لحق الولد به. اهـ.
والمنع من نفي الولد باقٍ، طالما كان الولد من الزوج محتملا، حتى ولو رأى امرأته، وهي تزني، فما بالك إذا لم ير ذلك، ولم يتيقنه؟! وهذا إنما هو احتياط لحق الولد في النسب.
قال النووي في «منهاج الطالبين»: لو وطئ وعزل حرم على الأصح. ولو علم زناها، واحتمل كون الولد منه ومن الزنا؛ حرم النفي. اهـ.
وقال في «روضة الطالبين»: إذا أتت بولد يمكن أن يكون منه، لكنه رآها تزني، واحتمل كونه من الزنا، فليس له نفيه. اهـ.
وإذا ثبت النسب شرعا، فلا يجوز نفيه اعتمادا على الوسائل الطبية الحديثة، ومما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بالبصمة الوراثية:
ـ لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان.
ـ لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه، وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس، وصونًا لأنسابهم. اهـ.
ومما أوصى به المجمع بعد هذا القرار: أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء، وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة، وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص، لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى. اهـ.
والله أعلم.