الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يتصور من إنسان آمن حقا، ولا يعمل خيرا قط. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: وَمِن الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا إيمَانًا ثَابِتًا فِي قَلْبِهِ بِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْحَجَّ، وَيَعِيشُ دَهْرَهُ لَا يَسْجُدُ لِلهِ سَجْدَةً، وَلَا يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا يُؤَدِّي لِلهِ زَكَاةً، وَلَا يَحُجُّ إلَى بَيْتِهِ. فَهَذَا مُمْتَنِعٌ، وَلَا يَصْدُرُ هَذَا إلَّا مَعَ نِفَاقٍ فِي الْقَلْبِ، وَزَنْدَقَةٍ، لَا مَعَ إيمَانٍ صَحِيحٍ. اهــ.
وقال أيضا: وَإِذَا قَامَ بِالْقَلْبِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَالْمَحَبَّةُ لَهُ؛ لَزِمَ ضَرُورَةَ أَنْ يَتَحَرَّكَ الْبَدَنُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ مِن الْأَقْوَالِ الظَّاهِرَةِ؛ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، فَمَا يَظْهَرُ عَلَى الْبَدَنِ مِن الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ هُوَ مُوجَبُ مَا فِي الْقَلْبِ وَلَازِمُهُ؛ وَدَلِيلُهُ وَمَعْلُولُهُ، كَمَا أَنَّ مَا يَقُومُ بِالْبَدَنِ مِن الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ لَهُ أَيْضًا تَأْثِيرٌ فِيمَا فِي الْقَلْبِ. فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي الْآخَرِ، لَكِنَّ الْقَلْبَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْبَدَنَ فَرْعٌ لَهُ، وَالْفَرْعُ يُسْتَمَدُّ مِنْ أَصْلِهِ، وَالْأَصْلُ يَثْبُتُ وَيَقْوَى بِفَرْعِهِ. اهــ
وما ورد في بعض الأحاديث أن أناسا يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط بينا في فتاوى سابقة أن هذا المراد منه تقليل ما عملوه، أو أنهم لم يتمكنوا من العمل لعذر ما. وانظر التفصيل في الفتوى: 196495.
وأما هل ترك العمل يعتبر من كفر الإعراض؟ فكفر الإعراض أوسع من الإعراض عن العمل.
قال ابن القيم في مدارج السالكين: وَأَمَّا كُفْرُ الْإِعْرَاضِ فَأَنْ يُعْرِضَ بِسَمْعِهِ وَقَلْبِهِ عَنِ الرَّسُولِ، لَا يُصَدِّقُهُ، وَلَا يُكَذِّبُهُ، وَلَا يُوَالِيهِ، وَلَا يُعَادِيهِ، وَلَا يُصْغِي إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الْبَتَّةَ، كَمَا قَالَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ يَالِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ أَقُولُ لَكَ كَلِمَةً، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَأَنْتَ أَجَلُّ فِي عَيْنِي مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَأَنْتَ أَحْقَرُ مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ. اهــ.
والله أعلم.