الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الترمذي وغيره، بإسناد ضعيف، من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيثما وجدها فهو أحق بها.
قال المناوي في شرحه: ضالة المؤمن أي مطلوبه، فلا يزال يطلبها كما يتطلب الرجل ضالته (فحيث وجدها فهو أحق بها) أي بالعمل بها واتباعها، يعني أن كلمة الحكمة ربما نطق بها من ليس لها بأهل، ثم رجعت إلى أهلها، فهو أحق بها. كما أن صاحب الضالة لا ينظر إلى خساسة من وجدها عنده.
خطب الحجاج فقال: إن الله أمرنا بطلب الآخرة، وكفانا مؤونة الدنيا، فليته كفانا مؤونة الآخرة، وأمرنا بطلب الدنيا. فقال الحسن: خذوها من فاسق، الحكمة ضالة المؤمن. ووجد رجل يكتب عن مخنث شيئا، فعوتب فقال: الجوهرة النفيسة لا يشينها سخافة غائصها ودناءة بائعها. انتهى.
وإذا علمت هذا، تبين لك أن العاقل اللبيب يقبل الحق والوعظ والنصح من كل من تكلم به من بر أو فاجر، وعدل أو فاسق، فلا يمنعنك قبول الحق كون قائله من الفساق، أو من غير العاملين به، وقد تعلم أبو هريرة فضل آية الكرسي وقراءتها عند النوم من شيطان، كما ثبت في صحيح البخاري.
وأما العلم الدنيوي فأمره أهون، والمسلم يتعلم من كل من وجد عنده علما حتى لو كان كافرا لا فاسقا فحسب، فمراده نفع نفسه والناس، ولكن ينبغي أن يقصد ذا الدين والفضل والورع للتعلم؛ ليقتدى به في سمته وهديه، ويتأسى بفعله قبل قوله، كما قال ابن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
فيتحرى المسلم للتعلم الأمثل فالأمثل، فإن لم يجد إلا فاسقا قدم مصلحة التعلم على مفسدة كون المعلم فاسقا، وإن أتته الموعظة والنصيحة من فاجر قبلها ولم يردها، فإن ردها من الكبر الذي يمقت الله أهله.
وأما التعلم من النساء فمداره على أمن الفتنة، وقد كانت أمهات المؤمنين وغيرهن من صالحات النساء ينشرن العلم، ويفقهن الناس، فإذا أمنت الفتنة، والتزمت المرأة بضوابط الشرع من عدم الخضوع بالقول، وعدم مجاوزة قدر الحاجة في الكلام، وانضبط الرجال بضوابط الشرع من غض البصر وعدم الخلوة، أو الكلام لغير حاجة وغير ذلك، جاز تلقي العلم حينئذ عن المرأة وحيث خيفت الفتنة لم يجز، وتنظر الفتوى: 54208.
والله أعلم.