الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن تخلف عن الجمعة لغير عذر؛ فإنه آثم، ولا يصلي الظهر قبل فراغ الإمام من صلاة الجمعة، فإن صلى قبل فراغه لم تصح صلاته عند كثير من الفقهاء.
قال ابن قدامة في المغني: وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَعَادَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ ظُهْرًا، يَعْنِي: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ، لَمْ يَصِحَّ، وَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ إنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا؛ لِأَنَّهَا الْمَفْرُوضَةُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَدْرَكَهَا مَعَهُ صَلَّاهَا، وَإِنْ فَاتَتْهُ فَعَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهَا انْتَظَرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ صَلَّى، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: تَصِحُّ ظُهْرُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ .... وَلَنَا، أَنَّهُ صَلَّى مَا لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ، وَتَرَكَ مَا خُوطِبَ بِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ مَكَانَ الظُّهْرِ ... اهــ مختصرًا.
ومن كان معذورا في التخلف عن الجمعة؛ فالأفضل له أن لا يصلي الظهر إلا بعد فراغ الإمام أيضا، مراعاة لمن يرى أن صلاته أيضا لا تصح قبل صلاة الإمام، والقول بعدم الصحة للمعذور هو إحدى الروايتين عن أحمد، والمذهب عند الحنابلة الصحة، وهو قول أكثر أهل العلم.
قال ابن قدامة في المغني: فَأَمَّا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، كَالْمُسَافِرِ، وَالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْمَرِيضِ، وَسَائِرِ الْمَعْذُورِينَ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بَقَاءَ الْعُذْرِ، فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ كَغَيْرِ الْمَعْذُورِ. اهــ.
وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ: أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَأَفَادَنَا أَنَّهُمْ لَوْ صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ: أَنَّ صَلَاتَهُمْ صَحِيحَةٌ. وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ زَالَ عُذْرُهُمْ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. اهــ.
وهذا الخلاف لا يدخل في بقية الصلوات؛ كالفجر، والعصر، والمغرب، والعشاء، فمن تخلف عن المسجد فيها لعذر، أو لغير عذر، وصلى أول الوقت قبل صلاة الجماعة في المسجد؛ فصلاته صحيحة.
والله أعلم.