الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالصبر لا ينافي الحزن، ولا ينافي تمني زوال المكروه، أو عدم حصوله أصلا، ومن ثَمَّ، فالتكليف به تكليف بما يطاق، فالواجب فقط هو حبس اللسان عن الشكوى، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن اللطم، وشق الجيب، ونحو ذلك.
ومن نزل به مكروه، فجزع، فتوبته كالتوبة من أي ذنب ليس لها شروط زائدة، فعليه أن يقلع عن ذلك، ويعزم على عدم المعاودة، ويندم على ما فرط منه، فإذا فعل هذا صحت توبته.
وأما الذي يعين على الصبر؛ فأمور كثيرة.
منها: استحضار عظيم ثواب الصابرين، وما أعد الله لهم من النعيم المقيم، كقوله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}.
ومنها: استحضار المصيبة العظمى والبلية الكبرى التي يهون في مقابلها ما عداها، وهي المصيبة بفقد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومنها: مطالعة سير الصابرين، والنظر في أخبارهم، كسيرة نبي الله أيوب، ونبي الله يعقوب، وسير الصالحين الذين نزل بهم من البلاء ما نزل، فصبروا، وتجلدوا، وينظر كتاب عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين للعلامة المحقق ابن القيم -رحمه الله-.
ومنها: معرفة أن الحزن لا يرد غائبا، ولا يعيد فائتا، ولا ينشر ميتا، وأن الأمر كما قال بعض السلف: من رضي فله الرضا، وقدر الله ماض، ومن سخط فله السخط، وقدر الله ماض.
ومنها: معرفة أن الراحة لا تطلب في الدنيا، وأنها قطعة من العذاب واللأواء، فلا تطلب فيها الراحة والهناء، وإنما الراحة الحقيقية عند دخول المؤمن الجنة، فلا أحد في هذه الدنيا إلا وهو مصاب ومبتلى، ولا تستقيم الدنيا لأحد على طريقة، كما قال التهامي في مرثيته الشهيرة:
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذار والأكدارِ
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نارِ
ومنها: معرفة أن الله حكيم، وأنه لا يقدر شيئا إلا وله فيه الحكمة والمصلحة، ولكن عقولنا القاصرة تعجز عن إدراك أسرار حكم الله تعالى في خلقه، فما علينا إلا الصبر والتسليم.
فإذا استحضرت هذه المعاني وغيرها؛ هان عليك الصبر بإذن الله، وسهل عليك تجشم مشقته، وتحمل مرارته.
رزقنا الله وإياك الصبر الجميل.
والله أعلم.