الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ريب أن رسم وتصوير الذات الإلهية كفر شنيع وكذب قبيح فظيع، لأنه تشبيه لله تعالى بصورة ارتسمت في ذهن مصورها، وتجسيم للخالق جل وعلا تخيله عقله، وقول على الله بغير علم، وكون هذا كفرا معلوم من دين الإسلام بالاضطرار، فإن الله تعالى ليس له مثيل ولا نظير ولا شبيه ولا يقدر قدره أحد، وهو فوق ما يتصوره عقل أو يتخيله.
قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشورى: 11)
فقوله تعالى: "ليس كمثله شيء" رد على المشبهة وإبطال للتشبيه.
وقال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (مريم: 65) يعني شبيها أو مثلا.
قال الإمام الطحاوي: اتفق أهل السنة على أن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
وأما رسم الرسول صلى الله عليه وسلم وتصويره وتمثيل شخصيته فحرام، وحرمة ذلك محل إجماع عند علماء الإسلام اليوم، وقد صدرت في هذا الأمر فتاوى من الأزهر في عام 1968، وفتوى مجمع البحوث الإسلامية عام 1972، ودار الإفتاء المصرية عام 1980، وبنوا فتواهم تلك على أمور: منها أن التمثيل أو الرسم أو التصوير لا يكون أبدا مطابقا تمام المطابقة للأصل، فهو كذب بالفعل والقول، والكذب على الرسول حرام بالنص: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
2- أن عدم الدقة في تمثيله أو تصويره إيذاء له، وإيذاؤه حرام، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (الأحزاب: 57)
3- التمثيل والتصوير يؤديان إلى هز صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المشاهدين، وذلك مدعاة للانصراف عنه وعدم حبه، وهو على خلاف الشرع الذي أمر بحبه وطاعته، وذكروا غير ذلك من المفاسد التي تنتج عن هذا الإفك المبين، فهو حرام بلا شك في عقيدة المسلمين، وإهانة للمسلمين، وهذا كله في مجرد التصوير الذي لم يصحبها بما يدل على السخرية والاستهزاء، فإذا صحب بذلك، كان الذنب والجرم أضخم، فلا تقبلوا أبدا أن تمر هذه الحادثة مرورا عاديا، فيجب عليكم أن تسعوا لدى كل الجهات من أجل أن ينال القائمين على هذه الصحيفة ما يمكن أن ينالهم من عقاب ردعا لهم ولأمثالهم عن العبث بدينكم ونبيكم.
وأما السخرية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو في دين الإسلام كفر صريح وردة ظاهرة أيضا.
قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (التوبة: 65-66)
فهذا نص في أن الاستهزاء والسخرية بالله وبآياته وبرسوله كفر.
قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم المنتقص له كافر.
وقال القاضي عياض: اعلم أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزدراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له، فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب.. وهذا كله إجماع من الصحابة وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرا.
والله أعلم.