الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقسيم القلوب إلى أربعة أقسام، عزاه ابن القيم إلى الصحابة -رضي الله عنهم- وليس من كلامه.
فقد قال -رحمه الله- في إغاثة اللهفان، قبيل ذكر هذا الأثر: وقد قسم الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- القلوب إلى أربعة، كما صح عن حذيفة بن اليمان. اهـ. ثم ذكر هذا الأثر.
فالمعترض عليه، معترض على الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين هم أقوم الأمة هديا، وأسدها طريقا، وأعمقها علما.
ثم إن ما كتبه عليه، ملاحظات ظاهرة، لا نرى أن نطيل بتتبعها، بيد أن أبرزها ظنه أن النفاق جميعه خفي لا يمكن الاطلاع عليه، وليس الأمر كذلك. فليس كل النفاق أمرا باطنا، بل للنفاق علامات وأمارات قد تظهر على الشخص، فيستحق معها ما يستحقه المنافقون من العقوبة وإن كان يظهر الإسلام، كحال الزنادقة الذي يظهرون الإسلام وهم يناصبونه العداء، فهؤلاء الزنادقة منافقون أظهروا نفاقهم.
قال البهوتي في شرح الإقناع: (وَالزِّنْدِيقُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى مُنَافِقًا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمُرْتَدٍّ) وَ (لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) ظَاهِرًا (وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ) وَالنِّفَاقُ اسْمٌ إسْلَامِيٌّ لَمْ تَعْرِفْهُ الْعَرَبُ بِالْمَعْنَى الْمَخْصُوصِ بِهِ، وَهُوَ سَتْرُ الْكُفْرِ وَإِظْهَارُ الْإِيمَانِ. وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفًا، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِن النَّافِقَاءِ، أَوْ مِن النَّفَقِ وَهُوَ السَّرَبُ الَّذِي يُسْتَتَرُ فِيه. انتهى.
كما كان كثير من المنافقين معلوما للنبي صلى الله عليه وسلم كابن سلول وغيره، ولم يؤاخذهم لنفاقهم؛ لئلا يتحدث العرب أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه.
والحاصل أن أمر النفاق الأكبر خفي في الغالب، فإذا أخفاه العبد فهو بينه وبين ربه، ولا نعامله إلا بمقتضى ما يظهر منه من الإسلام، ولا يمنع هذا أن يكون عند الله منافقا، وأن يكون قلبه منكوسا كما أخبر حذيفة -رضي الله عنه- وإن أظهر هذا المنافق نفاقه وزندقته عومل بما يستحقه مثله.
وحسنا فعلت على كل حال حين تركت الجدال؛ فإن الجدال وبخاصة إذا كان عن غير علم لا خير فيه، ولا مصلحة.
والله أعلم.