الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى: 414331 أنه يجوز التخلف عن الجماعة خوف المرض المعدي.
والأولى أن تصليها جماعة في بيتك؛ فجمهور العلماء -وهو ما عليه معتمد المذاهب الأربعة- أن صلاة الجماعة غير واجبة على الأعيان في المساجد، وانظر في هذا الفتوى: 191365.
فلا تثريب على من أخذ بهذا القول، وصلّى في بيته جماعة، ولو لم يكن هناك وباء، وراجع للفائدة الفتوى: 423232.
وأما صلاة الجمعة: فالأصل هو وجوب صلاتها في المسجد لمن سمع النداء، والرخصة في التخلّف عنها ليست رخصة عامة، وإنما تختلف بحسب الواقع، والضرر المتوقع، ونسبة وقوعه؛ فكبير السن، أو ضعيف المناعة كثير الأمراض، يختلف عن الشاب القوي. والبلد الذي انتشر فيه الوباء وكثرت فيه حالات الإصابة والوفيات، ليس كغيره، وهكذا.
ومثل هذه النوازل العامة، ينبغي أن يُرجَع في تقدير ضررها، ونسبة وقوعه إلى أهل الاختصاص، والجهات المعنية والهيئات الصحية، فهم أهل الذكر في هذه القضية، ولا يستبدّ المرء فيها برأيه، وتقديره الشخصي، وانظر المزيد في الفتاوى:414400، 421285، 429505.
وخروج الشخص إلى قضاء حاجاته ومصالحه، لا يمنع من الترخّص بترك الجمعة والجماعة في حال قيام سبب الرخصة، فليس من شرط الرخصة أن يعتكف المرء في بيته، ولا يخرج منه.
نعم، قد تكون مبالغة الشخص في مخالطة الناس لغير حاجة، وغشيان أماكن التجمعات، وإهماله للإجراءات الاحترازية، دليلًا على أن دعواه خشية الإصابة بالعدوى ليست حقيقة، وأن تخلّفه عن الجمعة إنما هو تكاسل وتفريط.
وأما قولك: (فهل الأولى أن يصلي في المسجد بما أنه يضطرّ للتعامل مع هؤلاء الناس، أم يصلي في المنزل تخفيفًا من التعرّض للمزيد من الناس؟)، فالأصل أن الصلاة في المسجد أولى وأفضل.
وأما قولك: (وهل عليه أن يترك الجامعة لهذا السبب؟ .. وهل يختلف الحال عند عودته لعائلته؟): فلا يجب عليك ترك الجامعة في أية حال، ولو قلنا بهذا، لقلنا بوجوب المكث في البيوت، وحرمة الخروج منها مطلقًا، ولو كان الخروج لحاجة، ولا يمكن القول بهذا.
والله أعلم.