الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالصبر معول المؤمن! وهو أوسع وأنفع ما يُعطاه المرء، كما قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: ما رزق عبد خيرًا له، ولا أوسع من الصبر. رواه الحاكم، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، والألباني.
وإذا قلَّ صبر الإنسان وضعف، استعجل الأمور، وأتاها من غير بابها، وخلط بين ما يحل وما يحرم، ففاته ثواب الآخرة، ولم ينل خير الدنيا، فلا حفظ دينًا، ولا ظفر بدنيا! ومثال ذلك: ذهاب الأخت السائلة للساحر رغبةً في فك السحر، ومع ذلك بقي الحال كما هو!
ولو أنها رضيت بقضاء الله، وصبرت على قدره، واقتصرت على بذل الأسباب المشروعة التي فعلتها لفكّ السحر، أو إصابة العين -من الرقية بالقرآن، والتزام سورة البقرة، والإلحاح في الدعاء-؛ لكان ذلك أقرب لتحقق مرادها، وأنجح في الوصول لغايتها! ولكنه الاستعجال الذي يفوت على المرء ما ينفعه، ويوجّهه لما يضره، ويحول بينه واستجابة الدعاء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم. وانظري الفتوى: 111052.
وقال ابن القيم في باب الطب النبوي من زاد المعاد: لذَّةُ الدُّنيا والآخرة ونعيمُهما والفوزُ والظَّفرُ فيهما، لا يصل إليه أحدٌ إلا على جسر الصَّبر، كما لا يصل إلى الجنَّة إلا على الصِّراط، قال عمر بن الخطَّاب: "خيرُ عيشٍ أدركناه بالصَّبر".
وإذا تأمَّلت مراتب الكمال المكتسَب في العالم، رأيتها كلَّها منوطةً بالصَّبر.
وإذا تأمَّلت النُّقصان الذي يُذمُّ صاحبُه عليه، ويدخل تحت قدرته، رأيتَه كلَّه من عدم الصَّبر ..
وأكثر أسقام البدن والقلب إنَّما تنشأ عن عدم الصَّبر، فما حُفِظت صحَّة القلب والبدن والرُّوح بمثل الصبر، فهو الفاروق الأكبر، والتِّرياق الأعظم، ولو لم يكن فيه إلا معيَّةُ الله مع أهله، فإنَّ الله مع الصَّابرين، ومحبَّتُه لهم، فإنَّ الله يحبُّ الصَّابرين، ونصرُه لأهله، فإنَّ النَّصر مع الصَّبر، وأنَّه خيرٌ لأهله: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ} [النحل:126]، وأنَّه سبب الفلاح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]. اهـ.
وهكذا نقول للسائلة: اصبري، وصابري، واتقي الله تفلحي.
وتوبي إلى الله توبةً عامةً تصلحين بها شأنك، وتقبلين بها على ربك.
وعليك باللجوء إلى الله تعالى، وكثرة ذكره ودعائه، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، وكثرة الاستغفار؛ فإن هذه الأمور تيسر العسير، وتقرّب البعيد، وراجعي للفائدة الفتوى: 116797.
والله أعلم.