الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بحرصك على العلم النافع، وسلوك سبيل الاستقامة، نسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وتقى وصلاحا، وأن يصلح ما بين والديك. ونوصيك بكثرة الدعاء لهما بالخير.
وكرهك لأبيك بسبب تصرفاته لا إثم عليك فيه، إن لم يتعد الكره القلبي إلى القول أو الفعل؛ لأن مثل هذه الأمور القلبية لا اختيار لصاحبها فيها، فلا يؤاخذ عليها، قال تعالى في دعاء المؤمنين: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}، وثبت في صحيح مسلم أنه سبحانه قال: قد فعلت.
وثبت في سنن ابن ماجه عن أبي ذر الغفاري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله قد تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
والواجب عليك الحرص على بره، والإحسان إليه، والحذر من أن يصدر عنك ما يؤذيه؛ فتقع في العقوق، فمن حق الوالد أن يحسن إليه ولده -وإن أساء-، كما سبق بيانه في الفتوى: 299887.
وإن كانت أمك على هذه الحال من تعامل أبيك معها، وإساءته إليها، فمن حقها أن تطلب منه الطلاق للضرر، وأفضلية طلبها الطلاق من عدمه يختلف باختلاف الأحوال، وإذا استحالت العشرة، ولم يمكن تحقق المقاصد الشرعية للزواج؛ فالطلاق أفضل.
قال ابن القيم في زاد المعاد: قَدْ يَكُونُ الطَّلَاقُ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ الَّتِي يَفُكُّ بِهَا الْمُطَلِّقُ الْغُلَّ مِنْ عُنُقِهِ، وَالْقَيْدَ مِنْ رِجْلِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ نِقْمَةً، بَلْ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ مَكَّنَهُمْ مِنَ الْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ. اهـ.
ومن حقك الانتقال لتقيم حيث شئت، ولا يلزمك الإقامة في بيت أبيك؛ لأن البالغ لا حضانة عليه، فمن حقه أن يقيم حيث شاء، كما نص على ذلك الفقهاء.
قال ابن قدامة: وَلَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ إلَّا عَلَى الطِّفْلِ أَوْ الْمَعْتُوهِ، فَأَمَّا الْبَالِغُ الرَّشِيدُ، فَلَا حَضَانَةَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ الْخِيرَةُ فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَبَوَيْهِ، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا، فَلَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ، لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ عَنْهُمَا، وَلَا يَقْطَعَ بِرَّهُ عَنْهُمَا.... اهـ.
ولا يجوز لك إعانة أبيك في زراعة القنب، أو الأكل من ماله المكتسب منه لغير ضرورة، فالقنب نوع من المخدرات فهو محرم، وراجع الفتوى: 145981. ولا تجب عليك طاعته إن منعك من الدراسة، أو العمل، أو صلة الرحم، فالطاعة إنما تكون في المعروف. ولمزيد الفائدة انظر الفتوى: 76303، والفتوى: 277579.
ونوصي ببذل النصح لأبيك بالرفق والحسنى، ويمكن أن تسلطوا عليه بعض أهل الفضل والخير ممن يرجى أن يقبل قوله ويستجيب له، عسى الله أن يجعل إصلاحه على أيديهم.
والله أعلم.