الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا تبت توبة صادقة نصوحا مستوفية لشروطها وأركانها؛ فإن الله تعالى يقبل توبتك، ويقيل عثرتك، وترجع من ذنبك كأنك لم تذنب، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
فإذا عدت للذنب كتب عليك الذنب الحادث فقط، ولم يعد الذنب الممحو إليك؛ لأنك قد تبت منه، فعليك أن تعود، وتتوب، ولا تمل من التوبة؛ فإن الله لا يزال يغفر لك ما استغفرته، وتبت إليه.
قال ابن القيم: وَمن أوجب الْوَاجِبَات التَّوْبَة بعد الذَّنب، فضمان الْمَغْفِرَة لَا يوجّب تَعْطِيل أَسبَاب الْمَغْفِرَة، وَنَظِير هَذَا قَوْله فِي الحَدِيث الآخر: أذْنب عبد ذَنبا، فَقَالَ: أَي ربّ أذنبت ذَنبا، فاغفره لي، فغفر لَهُ، ثمَّ مكث مَا شَاءَ الله أَن يمْكث، ثمَّ أذْنب ذَنبا آخر، فَقَالَ: أَي ربّ أصبت ذَنبا، فَاغْفِر لي، فغفر لَهُ، ثمَّ مكث مَا شَاءَ الله أَن يمْكث، ثمَّ أذْنب ذَنبا آخر، فَقَالَ: رب أصبت ذَنبا، فاغفره لي، فَقَالَ الله: علم عَبدِي أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب، وَيَأْخُذ بِهِ، قد غفرت لعبدي، فليعمل مَا شَاءَ.
فَلَيْسَ فِي هَذَا إِطْلَاق وَإِذن مِنْهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي المحرّمات والجرائم، وَإِنَّمَا يدل على أَنه يغْفر لَهُ مَا دَامَ كَذَلِك إِذا أذْنب تَابَ. انتهى.
فإذا أذنبت فتب، ثم إذا عدت فأذنبت فتب، ولا تيأس من التوبة ما دامت روحك في جسدك، فإن يأسك من مغفرة الله لك ذنب هو أعظم من كل ذنب أنت مقيم عليه.
والله أعلم.