الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرع الحكيم قد شرع الزواج لمقاصد عظيمة، ومن أهم هذه المقاصد أن تكون الحياة الزوجية مستقرة يهنأ فيها الزوجان، وتمثل بيئة صالحة ينشأ فيها الأولاد نشأة سوية، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.
ومن أهم ما تتحقق به تلك المقاصد: حسن العشرة بين الزوجين، وأن يكون بينهما الاحترام والتفاهم، وأن يعرف كل منهما للآخر حقه عليه فيؤديه على أكمل وجه، قال -سبحانه-: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة:228}.
ولمعرفة الحقوق بين الزوجين، نرجو مطالعة الفتوى: 27662.
وإن كان الحال ما ذكرت، فقد أحسنت بصبرك على زوجتك، وحرصك على تجنب ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة.
وفي المقابل أساءت زوجتك بمثل هذه التصرفات التي صدرت منها تجاهك، وما كان منها من طلب الطلاق فمنهي عنه إلا لمسوغ شرعي، كما ثبتت بذلك السنة الصحيحة، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 37112.
ونوصي بانتداب العقلاء من أهلك وأهلها؛ ليتدخلوا من أجل الإصلاح بينكما، فقد حث الشرع على الإصلاح عند حدوث الشقاق بين الزوجين وبيَّن أفضليته، قال الله -عز وجل-: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:128}، وقال -سبحانه-: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}.
وإن مما يتأكد به أمر الإصلاح وجود الأولاد، فإذا حدث الطلاق فإنهم من أكثر الناس تضررا منه.
وأمر أخذك لها إلى البيت وإن لم يكن لازما لك شرعا في مثل هذه الحالة، إلا أن الفقهاء قد ندبوا إليه، تطييباً للخاطر، وترغيبا في الخير والإصلاح. كما بيناه في الفتوى: 376477.
وإن تيسر أمر الإصلاح واجتمع الشمل، فهذا هو المطلوب، والحمد لله. وإن لم يتيسر فانظر في أمر طلاقها وما إن كان الأصلح، فإنه إذا لم يكن الإمساك بالمعروف، فليكن التفرق بإحسان.
والله أعلم.