الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز عند جمهور الفقهاء أن يتولى شخص طرفي العقد في النكاح في الجملة، ولكنهم اختلفوا بعد ذلك في بعض التفاصيل:
فقصر الشافعية ذلك على الجد لكمال شفقته ولأن توليه ذلك أبعد عن الريبة والتهمة، وأطلق الحنفية فأجازوا للشخص أن يتولى طرفي العقد إذا كانت له ولاية من الجانبين، سواء كانت ولايته أصلية أو دخيلة بالوكالة أو كان أصيلاً ووليا كابن العم إذا زوج بنت عمه من نفسه، أو كان وكيلا من الجانبين، أو رسولا من الجانبين، أو كان ولياً من جانب ووكيلا من جانب آخر، أو وكلت المرأة رجلا ليتزوجها من نفسه، وإليك بعض كلام الفقهاء الدال على ما ذكرنا:
قال الكاساني الحنفي كما في بدائع الصنائع: هل ينعقد بعاقد واحد أو لا ينعقد إلا بعاقدين؟ فقد اختلف في هذا الفصل، قال أصحابنا: ينعقد بعاقد واحد إذا كانت له ولاية من الجانبين، سواء كانت ولايته أصلية، كالولاية الثابتة بالملك والقرابة، أو دخيلة كالولاية الثابتة بالوكالة، بأن كان العاقد مالكاً من الجانبين كالمولى إذا زوج أمته من عبده، أو كان ولياً من الجانبين، كالجد إذا زوج ابن ابنه الصغير من بنت ابنه الصغيرة، والأخ إذا زوج بنت أخيه الصغيرة من ابن أخيه الصغير، أو كان أصيلاً ووليا كابن العم إذا زوج بنت عمه من نفسه، أو كان وكيلا من الجانبين، أو رسولا من الجانبين، أو كان وليا من جانب ووكيلا من جانب آخر، أو وكلت امرأة رجلا ليتزوجها من نفسه.
وقال الخرشي المالكي في شرح خليل: يجوز لابن العم والمعتق الأعلى والأسفل على ما فيه والحاكم ومن يزوج بولاية الإسلام، أن يتولى طرفي عقد النكاح إن عين لها أن يزوجها من نفسه، ويشهد على رضاها احتياطاً من منازعتها، فإن لم يشهد على ذلك والمرأة مقرة فهو جائز، ولفظ ذلك أن يقول لها: قد تزوجتك على صداق كذا وكذا وترضى به.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في فتح الوهاب: ولجدٍ تولي طرفي عقد في تزويج بنت ابنه ابن ابنه الآخر، لقوة ولايته ولا يزوج نحو ابن عم كمعتق وعصبته نفسه ولو بوكالة، بأن يتولى هو أو وكيلاه الطرفين، أو هو أحدهما ووكيله الآخر، إذ ليس له قوة الجدودة حتى يتولى الطرفين فيزوجه مساويه، فإن فقد من في درجته زوجه (قاض) بولايته العامة (و) يزوج (قاضيا قاض آخر) ولو خليفته، لأن خليفته يزوج بالولاية بخلاف الوكيل، ولو قالت لابن عمها: زوجني من نفسك جاز للقاضي تزويجها منه.
وقال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: أو زوج شخص ابنه الصغير أو المجنون أو السفيه بنت أخيه صح أن يتولى طرفي العقد، أو زوج وصي في نكاح صغيراً تحت حجره بصغيرة تحت حجره ونحوه كحاكم يزوج من لا ولي له بمن لا ولي لها (صح أن يتولى طرفي العقد، وكذلك ولي المرأة العاقلة) إذا كانت تحل له مثل ابن عم لأبوين أو لأب والمولى المعتق وعصبته المتعصب بنفسه والحاكم وأمينه إذا أذنت له في نكاحها فإنه يصح أن يتولى طرفي العقد.
استدل من قال بأن الولي غير الجد له أن يلي طرفي العقد بما أخرجه البخاري معلقا أن عبد الرحمن بن عوف قال لأم حكيم بنت قارظ:أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم، قال: فقد تزوجتك. ذكره البخاري معلقا، ووصله ابن سعد من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد، واستدل من منع بما يلي:
1- أن الولاية شرط في العقد، فلا يكون الناكح منكحاً كما لا يبيع من نفسه.
2- وبما رواه البخاري عن المغيرة تعليقاً أنه خطب امرأة هو أولى الناس بها فأمر رجلا فزوجه، ووصل الأثر وكيع في مصنفه، وللبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عمير: أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة هو وليها، فجعل أمرها إلى رجل، المغيرة أولى منه، فزوجه.
ولعل الأحوط -إن شاء الله تعالى- أن تذهبا إلى أي مركز إسلامي، فتوكل المرأة من يزوجها ويتولى المركز تزويجك، وإن عملت بقول الجمهور وزوجتها من نفسك بعد إذنها وبحضرة شاهدين فلا بأس، فهو قول قوي له اعتباره، فتقول: زوجتك من نفسي، وتقول هي: قبلت نكاحك.
والله أعلم.