الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخلوة الصحيحة تقوم مقام الدخول فيتقدر بها المهر والعدة، كما هو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، جاء في مواهب الجليل من كتب المالكية: تعتد امرأة بخلوة بالغ أي بسبب خلوة بالغ، وهي (أي الخلوة) إرخاء الستور فلو لم يكن خلوة لا عدة. انتهى.
وفي شرح حدود ابن عرفة من كتبهم (باب فيما تجب فيه العدة) قال: لخلوتهما ولو بزيارة تحتمل والوطء.
وجاء في الفتاوى الهندية وهي حنفية: ولو خلا بامرأته خلوة صحيحة ثم طلقها صريحاً وقال لم أجامعها فصدقته أو كذبته وجبت عليه العدة.
وفي المبسوط من كتبهم: الخلوة بين الزوجين البالغين المسلمين وراء ستر أو باب مغلق يوجب المهر والعدة عندنا. انتهى.
وجاء في التاج والإكليل: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ : إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ الصَّحِيحِ عَلَى نَفْيِ الْمَسِيسِ لَمْ تَسْقُطْ الْعِدَّةُ بِذَلِكَ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلَدٌ لَثَبَتَ نَسَبُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ فَلَا يَكُونُ لَهَا صَدَاقٌ وَلَا نِصْفُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْهُ وَتُعَاضُ مِنْ تَلَذُّذِهِ بِهَا إنْ كَانَ تَلَذَّذَ مِنْهَا بِشَيْءٍ . وَقِيلَ : لَا تُعَاضُ .
وفي الإنصاف من كتب الحنابلة: الخلوة تقوم مقام الدخول في أربعة أشياء، وذكر منها تكميل الصداق وجوب العدة.... إلخ.
وحكى الطحاوي في مشكل الآثار إجماع الصحابة أن من أغلق باباً وأرخى ستراً فلها الصداق وعليها العدة، وقال ابن قدامة في الكافي: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق باباً أو أرخى ستراً فقد وجب المهر ووجبت العدة، وهذه قضايا اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً.
وعلى ما تقدم؛ فإن طلاق زوجك لك في المرة الأولى صحيح ومراجعته لك بدون صداق ولا عقد جديد صحيح، وطلاقك الثاني والثالث واقع وأنت بائنة منه بينونه كبرى لا يحل لك الرجوع إليه إلا بعد نكاح زوج ثان، ثم لتعلمي أن المقلد إذا سأل عالماً فأفتاه وعمل به لا يحل له التراجع عن هذه الفتوى بعد العمل؛ بل حكى الترمذي وابن الحاجب الاتفاق على ذلك، قال صاحب التقريب: لا يرجع المقلد فيما قلد المجتهد فيه أي عمل به اتفاقاً.
والله أعلم.