الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمراد هؤلاء العلماء أن الذابح لا يعتقد التقرب إلى الله تعالى في مجرد الذبح، بغض النظر عما يعمل باللحم، إلا في هذه المواضع الثلاثة: الأضحية، والهدي، والعقيقة.
وأما ما عداها، فتكون القربة باعتبار قصد الذابح، كنية التصدّق، أو الإحسان للجيران، أو صلة الرحم، ونحو ذلك من الصالحات، فهذا تحرير محل النزاع.
والحديث الذي ذكره السائل إنما يدل على أصل التقرّب إلى الله تعالى بذبح بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، وعلى المفاضلة بينها.
وأما عدم اقتصار نية التقرّب بالذبح على العقيقة، والأضحية، والهدي، فيمكن أن يستدل عليه بحديث نبيشة الهذلي، قال: قالوا: يا رسول الله، إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية، فما تأمرنا؟ قال: "اذبحوا لله في أي شهر كان، وبروا الله، وأطعموا"، قالوا: يا رسول الله، إنا كنا نفرع في الجاهلية فرعًا، فما تأمرنا؟ قال: "في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك، حتى إذا استحمل ذبحته، فتصدقت بلحمه على ابن السبيل؛ فإن ذلك هو خير. رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي في الكبرى، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني، والأرناؤوط.
وروى البيهقي في السنن الكبرى عن الإمام الشافعي قال: هو شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم، فكان أحدهم يذبح بكر ناقته أو شاته، فلا يغذوه؛ رجاء البركة فيما يأتي بعده، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقال: "فرعوا إن شتئم"، أي: اذبحوا إن شئتم. وكانوا يسألونه عما كانوا يصنعون في الجاهلية خوفًا أن يكره في الإسلام، فأعلمهم أنه لا مكروه عليهم فيه، وأمرهم اختيارًا أن يغذوه، ثم يحملوا عليه في سبيل الله ...
وقوله عليه السلام حيث سئل عن العتيرة: "اذبحوا لله في أي شهر ما كان"، أي: اذبحوا إن شئتم، واجعلوا الذبح لله لا لغيره، في أي شهر ما كان، لا أنها في رجب دون ما سواه من الشهور. اهـ. وانظر الفتوى: 125481.
والله أعلم.