الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن هذا الخارج ليس منيًّا؛ لأنه لا يحمل صفات منيّ المرأة المعروفة، وقد بيناها في الفتوى: 131658.
وقد يكون وديا، فيوجب الاستنجاء.
وقد يكون من الرطوبات المعروفة، فلا يوجب إلا الوضوء.
وإذا شككت، فإنك تتخيرين، فتجعلين له حكم ما شئت.
وإن كنت قد استنجيت منه، فقد برئت ذمتك بكل حال، ولا يلزمك الغسل -والحال ما ذكر-، هذا عن سؤالك الأول.
وأما سؤالك الثاني: فإن المرأة لا بد أن تغسل جميع بدنها في الغسل الواجب، بما في ذلك باطن الأليتين، وما يظهر عند قعودها لحاجتها من فرجها.
ولو استنجت ولم تغسل ذلك المحل بنية رفع الحدث، لم يجزئها عن غسله في الغسل الواجب؛ لأن النية من شروط صحة الغسل، فلو اغتسلت ولم تغسل ذلك الموضع، فغسلها غير تام، وعليها أن تعود فتغسل ما تركت.
وقولنا: إنها تعمم بدنها بالماء، شامل لهذين الموضعين، وهما باطن الألية، وما يظهر عند قعودها لحاجتها، قال البهوتي في كشاف القناع: (وَالْغُسْلُ الْمُجْزِئُ) وَهُوَ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ فَقَطْ (أَنْ يُزِيلَ مَا بِهِ) أَيْ: بِبَدَنِهِ (مِنْ نَجَاسَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، إنْ وُجِدَ) مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهَا؛ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى الْبَشَرَةِ (وَيَنْوِيَ) كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (ثُمَّ يُسَمِّيَ)...
(ثُمَّ يَعُمَّ بَدَنَهُ بِالْغَسْلِ) فَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ (حَتَّى فَمَهُ وَأَنْفَهُ) فَتَجِبُ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِي غُسْلٍ (كَوُضُوءٍ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) حَتَّى (ظَاهِرَ شَعْرِهِ وَبَاطِنِهِ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مُسْتَرْسِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.... (وَحَتَّى حَشَفَةُ أَقْلَفَ) أَيْ: غَيْرِ مَخْتُونٍ (إنْ أَمْكَنَ تَشْمِيرُهَا) بِأَنْ كَانَ مَفْتُوقًا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ (وَ) حَتَّى (مَا تَحْتَ خَاتَمٍ، وَنَحْوِهِ، فَيُحَرِّكُهُ) لِيَتَحَقَّقَ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ (وَ) حَتَّى (مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا عِنْدَ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا)؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ (وَلَا) يَجِبُ غَسْلُ (مَا أَمْكَنَ مِنْ دَاخِلِهِ) أَيْ: فَرْجٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَإِمَّا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَعُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ. انتهى.
وقال النووي: يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى غُضُونِ الْبَدَنِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَدَاخِلِ السُّرَّةِ، وَبَاطِنِ الْأُذُنَيْنِ وَالْإِبْطَيْنِ، وَمَا بَيْن الْأَلْيَيْنِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ، وَحُمْرَةِ الشَّفَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وقال أيضًا: والمراد بباطن الألية ما يستتر في حال القيام، وبظاهرها ما لا يستتر. انتهى.
والله أعلم.