الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أهل العلم قد اختلفوا في حبوط عمل المرتد بمجرد الردة أم لا يحبط إلا بالموت عليها؟ فإنهم اتفقوا على انتفاعه بتوبته، وقبولها عند الله ما دامت توبته صادقة. وهذا في الحقيقة يكفي، فحسب المرء أن يصدق في توبته، ويُقبِل على الله بكليته، ثم ليبشر بكل خير، فإن الله يحب التوابين، ويفرح بتوبتهم، ويجازيهم أحسن الجزاء، فقد قال سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: 70].
وعلى أية حال، فالراجح الذي نفتي به في أصل المسألة أن المرتد لا يحبط عمله، إلا إذا مات على الكفر، كما هو ظاهر قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ {البقرة:217} فقيد الحبوط بالموت على الكفر، وانظر الفتوى: 301846.
وقال ابن الفرس في أحكام القرآن: وهو صواب؛ لأنها آية مقيدة تقضي على المطلقة. ولقول الله سبحانه: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} فإذا غفر الكفر الذي كفروا بعد الإسلام، سقط حكم ذلك الكفر، وبقي على أحكام الإسلام كما كان قبل. اهـ.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان: ومقتضى الأصول حمل هذا المطلق على هذا المقيد، فيقيد إحباط العمل بالموت على الكفر، وهو قول الشافعي ومن وافقه، خلافا لمالك القائل بإحباط الردة العمل مطلقا. اهـ.
وقال في موضع آخر: قول الشافعي ومن وافقه في هذه المسألة أجرى على الأصول، لوجوب حمل المطلق على المقيد، ولا سيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا. اهـ.
بل إنه قد يقال: إنه يثاب على أعمال الخير التي عملها حتى في حال ردته، كالصدقة والبر وصلة الرحم، إذا مات مسلما، وراجع في ذلك الفتاوى: 159259، 244111، 54753.
ثم ليعلم السائل أن الغالب على حكم الموسوس بوقوع الكفر، أنه ليس بصحيح، وإنما يكون أثرا من آثار الوسوسة التي تجعل الوهم حقيقة في ذهنه! وليعلم كذلك أن مدافعة الوساوس ومجاهدتها تعتبر نوعا من أنواع العبادة، يؤجر عليها صاحبها، وراجع في ذلك الفتويين 134765، 141048.
وأخيرا نلفت النظر إلى أن علاج الوسوسة لا يكون إلا بالإعراض عنها، وعدم الاسترسال معها، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك.
والله أعلم.