الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمسائل الاجتهاد لا إنكار فيها، بمعنى: أنه لا يُغلَّظ فيها على مرتكب المختلف فيه، ولا يُنهى عن فعله نهيًا جازمًا، لكن إن بيّن له أن الأمر مختلف فيه، وأن الأحسن الخروج من الخلاف؛ فلا حرج.
وكذا إن كان المختلفان ممن يفهمان الحجج والأدلة، فتناقشا، وبين كل منهما ما عنده؛ فهذا حسن، لا بأس به.
ولتكن على علم بأن هذه المسألة اجتهادية، وأن المخالف فيها معذور، وأنه دائر بين الأجر والأجرين؛ لأنه إن كان مجتهدًا، فقد اتّبع ما أدّاه إليه اجتهاده، وإن كان مقلِّدًا، فقد برئت ذمته بتقليد من يثق به، وليس لك أن تحمله على قولك؛ فإن القلب شأنه أن يوافق الظاهر.
وليس لك أن تعتقد أن المختلف فيه منكر مجزوم بنكارته؛ لمخالفة هذا لما هو الواقع في نفس الأمر، وراجع للفائدة الفتوى: 409000.
والمقصود توقف فاعل المنكر عنه، وإعلامه بأن هذا مُحرَّم، يغضب الله تعالى؛ لئلا يعود إليه مستقبلًا؛ فإن كان هذا المحرم معلوم التحريم؛ كالسَّبِّ، فكفى أن تقول له: لا تَسُّب؛ لأن المقصود يتحقق بهذا.
وليس لك أن تنكر لمجرد فتوى عالم، وإن كنت تثق به، دون أن تتحقق من كون المسألة من المسائل التي يسوغ فيها الإنكار، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار، إلا ببيان الحجة، وإيضاح المحجة؛ لا الإنكار المجرد المستند إلى محض التقليد، فإن هذا فعل أهل الجهل والأهواء. انتهى.
فليس لك أن تنكر لمجرد تقليد عالم أفتاك بفتوى؛ حتى يتبين لك أنها من المَحَالِّ التي يسوغ فيها الإنكار.
ومعنى أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد أن المنكر مخطئ في فعله، إلا إن كان إنكاره بالقدر المأذون فيه، وهو بيان الحجة، ومناقشة المسألة، أو الإرشاد إلى الخروج من الخلاف، وأنه أولى.
والله أعلم.