الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن تلخيص أهم الأمور التي ينبغي مراعاتها عند اتخاذ القرار:
1- الاستعانة بالله، والافتقار إلى توفيقه وتسديده، وأن يتبرأ المرء من حوله وقوته، ويوقن أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله.
2- ومن ذلك: صلاة الاستخارة، وطلب الخيرة من الله سبحانه. ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله السلمي، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: إذا هَمَّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر - ثم تسميه بعينه - خيرا لي في عاجل أمري وآجله- قال: أو في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري- فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه. اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري -أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به.
3- بذل الأسباب: من التأمل في الأمر الذي يعزم عليه المرء، واستشارة أهل الخبرة والنصح حوله، ومعرفة آراء أهل الاختصاص فيه. قال تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ {آل عمران:159}، وقد قيل: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
4- أن يعود المرء نفسه على الرضا بقضاء الله، وأن يوقن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، فلا يجزع عند فوات ما يرجوه، وهذا يجعله مطمئنا عند اتخاذ القرار، فلا يقلق ولا يضطرب.
قال ابن تيمية: وقد حرَّم الله الاستقسام بالأزلام في آيتين من كتابه... وإنما يسن له استخارة الخالق، واستشارة المخلوق، والاستدلال بالأدلة الشرعية التي تبين ما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه وينهى عنه. اهـ. من مجموع الفتاوى.
وقال ابن القيم: فعوَّض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته بهذا الدعاء -دعاء الاستخارة-، عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخوان المشركين، يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب.
وعوضهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وافتقار، وعبودية، وتوكل، وسؤال لمن بيده الخير كله الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، الذي إذا فتح لعبده رحمة لم يستطع أحد حبسها عنه، وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليه من التطير، والتنجيم، واختيار الطالع ونحوه.
فهذا الدعاء، هو الطالع الميمون السعيد، طالع أهل السعادة والتوفيق، الذين سبقت لهم من الله الحسنى، لا طالع أهل الشرك والشقاء والخذلان، الذين يجعلون مع الله إلها آخر، فسوف يعلمون.
فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، والخروج من عهدة نفسه، والتبري من الحول والقوة إلا به، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها، وإرادته لها، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله، وسخطه بما قضى الله.
فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفا بأمرين: التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله، والرضى بما يقضي الله له بعده، وهما عنوان السعادة.
وعنوان الشقاء أن يكتنفه ترك التوكل، والاستخارة قبله، والسخط بعده، والتوكل قبل القضاء. فإذا أبرم القضاء وتم، انتقلت العبودية إلى الرضى بعده، كما في المسند، وزاد النسائي في الدعاء المشهور: وأسألك الرضى بعد القضاء. اهـ من زاد المعاد.
ويمكنك البحث بقسم الاستشارات بموقعنا للاستزادة حول موضوع اتخاذ القرار.
ونعتذر عن النظر في بقية أسئلتك، لأننا بيّنّا في خانة إدخال الأسئلة أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال سيتم الإجابة عن السؤال الأول منها، وإهمال بقية الأسئلة.
والله أعلم.