الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المرسل هو ما رفعه التابعي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقيل في تعريف المرسل غير ذلك، والأول هو المشهور من أقوال العلماء، كما قال الحافظ العراقي في الألفية:
مَرْفُوعُ تَابعٍ عَلى المَشهُوْرِ مُرْسَلٌ أو قَيِّدْهُ بِالكَبِيْرِ
أوْ سَقْطُ رَاوٍ مِنْهُ ذُوْ أقْوَالِ وَالأوَّلُ الأكْثَرُ في استِعْمَالِ
قال الحافظ العراقي في شرحه على ألفيته: فالمشهورُ أنَّهُ مَا رَفَعهُ التابعيُّ إلى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سواءٌ كانَ مِنْ كبارِ التابعينَ، كعُبيدِ اللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ، وقيسِ بن أبي حازمٍ، وسعيدِ بنِ المسِّيبِ، وأمثالِهم، أو من صغارِ التابعينَ، كالزهريِّ، وأبي حازمٍ، ويحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ، وأشباهِهِم. اهــ.
وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بالحديث المرسل: فمنهم من احتج به، ومنهم من رده للجهل بالراوي الذي فوق التابعي، فقد يكون تابعيا ضعيفا، ولا يكون صحابيا، ومنهم من فَصَّل فقبل مراسيل كبار التابعين؛ كسعيد بن المسيب ورد مراسيل غيرهم، وكل هذا مبسوط في كتب المصطلح.
والإمام الزهري من صغار التابعين، وقد ذكر أهل العلم أن مراسيله من أضعف المراسيل لأمور.
منها: أنه في الغالب حين يُسند الحديث يروي عن اثنين قبل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا أرسل فالغالب أنه يسقط راويين، فيكون من جملة المعضل.
ومنها: أنه يروي عن سليمان بن أرقم وهو شديد الضعف، فقد يكون هو الساقط في الإسناد.
ومن أسباب شدة ضعف مراسيله: أنه إمام كبير قادر على تسمية من فوقه من الرواة، فإذا ترك تسميته غلب على الظن أن من فوقه ضعيف.
قال الحافظ الذهبي في الموقظة: ومِن أوهى المراسيل عندهم: مراسيلُ الحَسَن. وأوهى من ذلك: مراسيلُ الزهري، وقتادة، وحُمَيد الطويل، من صغار التابعين. وغالبُ المحقِّقين يَعُدُّون مراسيلَ هؤلاء مُعْضَلاتٍ ومنقطِعات، فإنَّ غالبَ رواياتِ هؤلاء عن تابعيٍّ كبير، عن صحابيّ. فالظنُّ بِمُرْسِلِه أنه أَسقَطَ من إسنادِه اثنين. اهــ.
وقال جلال الدين السيوطي في تدريب الراوي: مَرَاسِيلُ الزُّهْرِيِّ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ: لِأَنَّا نَجِدُهُ يَرْوِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ شَرٌّ مِنْ مُرْسَلِ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ حَافِظٌ، وَكُلَّمَا قَدَرَ أَنْ يُسَمِّيَ سَمَّى، وَإِنَّمَا يَتْرُكُ مَنْ لَا يُحِبُّ أَنْ يُسَمِّيَهُ. اهــ
والله أعلم.