الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على أن المفاضلة بين أنواع العبادات والقربات تحتاج إلى نص خاص، أو قاعدة عامة من القواعد الشرعية. وليس للأذواق أو الآراء المحضة مدخل في ذلك.
هذا أمر. وأمر آخر ينبغي الالتفات إليه، وهو أن حيثيات الفضل تتعدد، فقد يفضل أحد الأمرين من جهة، ويفضل الآخر عليه من جهة أخرى.
ومن هذا ما يسأل عنه السائل، فأنواع الصدقات التي ذكرها السائل قد تكون أعجل وأكثر نفعا من مسجد غير مأهول بالمصلين، ولكن في المقابل فإن بناء المسجد قد يفضل هذه الصدقات وكفالة الأيتام ورعاية المرضى ونحو ذلك، بكونه صدقة جارية، يبقى أصلها ويدوم أجرها، بخلاف الصدقة التي لا تجري، فأجرها ينقطع ولا يدوم.
كما يفضل بناء المساجد غيره من أنواع الصدقات التي ينتفع الناس بها في معاشهم، بكون نفعه لا يقتصر على الدنيا، بل يقصد به أصالةً عمارة الآخرة، بإقامة الصلاة وذكر الله، كما قال تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور: 36 ، 37].
وانظر الفتاوى: 10427، 35601، 120932.
ولذلك، فإننا لا نقطع بفضل أحدهما على الآخر هكذا بإطلاق، وعلى أية حال، ففي كلٍّ خيرٌ.
هذا هو فهمنا واجتهادنا، أو وجهة نظرنا.
والله أعلم.