الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالراجح عندنا؛ أنّ النفقة الواجبة للزوجة هي قدر الكفاية من المأكل والمسكن والملبس، اعتباراً بحال الزوجين، وانظر الفتوى: 105673
وعليه؛ فلا يلزمك أن تنفق على زوجتك وأولادك فوق النفقة الواجبة، ولك أن تدخر من مالك ما تشاء ما دمت تنفق على زوجتك وأولادك بالمعروف.
ولا ينبغي لك أن تطلق زوجتك بسبب الخلاف على قدر النفقة، فما دامت زوجتك صالحة، فلا تطلقها، فالطلاق ليس بالأمر الهين، فينبغي ألا يصار إليه إلا عند تعذّر جميع وسائل الإصلاح، ولا سيما إذا كان بين الزوجين أولاد.
فتفاهم مع زوجتك على الموازنة بين النفقات والادخار المطلوب، ولا تنس أنها صابرة على غيابك، قائمة بتربية أولادك وحدها، فأحسن إليها في النفقة وتجاوز عن هفواتها.
وأمّا بخصوص والدك؛ فما دام غنياً، فلا يلزمك أن تعطيه شيئاً من مالك، فالجمهور على أنّ الأب إذا كان في كفاية، لا يحقّ له أن يأخذ شيئاً من مال ولده دون رضاه.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني : أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر ...
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته. انتهى.
ولا حرج عليك في انفرادك بالسكن عن والديك، وليس في ذلك عقوق لهم، بل من حقّ الزوجة عليك أن تسكنها في مسكن مستقل مناسب، لا يشاركها فيه أحد من أهلك، وراجع الفتوى: 324259.
لكن عليك برّ والديك والإحسان إليهما، ولا يجوز لك قطعهما أو الإساءة إليهما، فحقّ الوالدين عظيم، وبرهما من أوجب الواجبات، ومن أفضل الأعمال التي يحبها الله.
فاجتهد في برّ والديك بما تقدر عليه، ولا يضرّك أو يضرّ زوجتك وأولادك، ومن استعان بالله تعالى واستعمل الحكمة والمداراة؛ وفقه الله للقيام بحقّ الوالدين والإحسان إليهما من غير أن يضرّ نفسه وعياله.
والله أعلم.