الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتنازلك عن حقّك لأبناء أخيك، ومعاهدتهم ألا تطالبهم به؛ أمر جائز، وليس من الإقرار على الباطل. أمّا حقّ إخوتك، فلا تملك إسقاطه.
واعلم أنّ المداراة والمجاملة تكلفاً بغرض الإصلاح ودفع السيئة بالحسنة؛ ليس من النفاق أو الكذب والخداع، ولمعرفة الفرق بين النفاق والمجاملة. راجع الفتويين: 75660، 26817.
وأمّا عبارة : "من مشى مع خصمه وهو له ظالم، فهو آثم حتى يرجع إلى الحق" فالمراد بها تخويف الظالم الذي يعرف أنّ الحقّ ليس له، من رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم له بغير حقّ، مع أنّ حكم الحاكم لا يحلّ له الحرام.
جاء في تفسير الطبري: عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188]، وَكَانَ يُقَالُ: «مَنْ مَشَى مَعَ خَصْمِهِ وَهُوَ لَهُ ظَالِمٌ؛ فَهُوَ آثَمٌ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ. وَاعْلَمْ يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُحِلُّ لَكَ حَرَامًا، وَلَا يُحِقُّ لَكَ بَاطِلًا، وَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِنَحْوِ مَا يَرَى، وَيَشْهَدُ بِهِ الشُّهُودُ، وَالْقَاضِي بَشَرٌ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ قَدْ قُضِيَ لَهُ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّ خُصُومَتَهُ لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقْضِي عَلَى الْمُبْطَلِ لِلْمُحِقِّ، وَيَأْخُذُ مِمَّا قُضِيَ بِهِ لِلْمُبْطِلِ عَلَى الْمُحِقِّ فِي الدُّنْيَا. انتهى.
والله أعلم.