الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فها هنا أمور لا بد من بيانها، فمنها:
أن الله تعالى لا يظلم الناس شيئًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فهو سبحانه خلقك، وخلق لك قدرة وإرادة بها تكتسب أفعالك، وأنت مسؤول عن تلك الأفعال بمقتضى تلك القدرة والإرادة، فليس لك إيقاع اللوم على قدر الله، ولا الاحتجاج بما سبق من قضائه، فهذه طريقة إبليس اللعين، حيث قال: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ {الأعراف:16}.
ومنها: أن الصادق موفق ولا بد، والصدق -كما في الحديث- يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، فلو كنت صادقًا في طلبك مرضات الله، وإرادتك وجهه سبحانه، فإنه سيوفقك ولا بد، والله عز وجل هو أصدق القائلين، وقد قال جل اسمه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}.
فعليك أن تخلص لله تعالى، وتصدق في معاملته، وتبذل وسعك في مرضاته، وتحسن الظن به، وتثق أنه سيقربك متى حاولت التقرب إليه صادقًا، وفي الحديث القدسي: من تقرب إليّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إليّ ذراعًا، تقربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي، أتيته هرولة. متفق عليه.
ومنها: أن كيد الشيطان ضعيف، وأن المؤمن أقوى منه بإيمانه، وصدقه، وتوكله على الله تعالى، قال جل اسمه: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا {النساء:76}.
والذي ينقصك هو مزيد من العزم، والإرادة، والتصميم، والصدق في معاملة الله تعالى، والإقبال عليه، وتلمّح حلاوة العاقبة، فمن تلمّح حلاوة العاقبة، هانت عليه مرارة الصبر، والعلم بمرارة عاقبة من يسيء في معاملة ربه سبحانه، فإن من علم آثار المعصية، وتحقق بذلك العلم، انصرف عنها ولا بد.
ومنها: أن تعلم أن لذة الطاعة، والأنس بالله، لا تنال إلا بالصبر، والمجاهدة؛ فعليك أن تجاهد نفسك صادقًا، وستصل إلى بغيتك من التلذذ بالعبادة، وأن تصير قرة عين لك، وانظر الفتوى: 139680.
واعلم أخيرًا أن ترك الصلاة من أكبر الذنوب، وأعظم الموبقات، وأنه شر من الزنى، والسرقة، وشرب الخمر، وقتل النفس.
فلو استحضرت هذا المعنى، واستحضرت أن تارك الصلاة مختلف في إسلامه أصلًا، فإنك ستوقن بعظيم الجناية التي ترتكبها، وسيحملك ذلك- ولا بد- على التوبة من هذا الذنب العظيم، وانظر لبيان عظيم خطر ترك الصلاة الفتوى: 130853.
واعلم كذلك أن الدعاء من أعظم الأسباب لنيل المطلوب، لكنه يحتاج كذلك إلى أخذ بالأسباب، فعليك أن تأخذ بأسباب الصلاح، والاستقامة، فتصحب الصالحين، وتتعلم العلم النافع، وتبتعد عما من شأنه أن يبعدك عن الله تعالى.
ومع هذا كله؛ فاجتهد في الدعاء، وأحسن ظنك بالله تعالى، ولا تيأس، ولا تملّ، فإن الله تعالى عند ظن عبده به.
نسأل الله أن يهديك، ويتوب عليك توبة نصوحًا.
والله أعلم.