الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان وجه هذا الموقف من عمر الفاروق -رضي الله عنه-، وأنه لم يكن متفردًا به، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يرى وجوب كتابة ما أراد كتابته؛ لما تركه لرأي أحد، ولكنه رجع إلى قول عمر، ومن وافقه من الصحابة، وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى: 121441، 291655، 31412، 66300.
ونريد هنا أن ننبه على خطأ السائل في ظنه أن كتابة هذا الكتاب، كانت ستمنع تفرق الأمة، وضلال من ضل منها! فلو كان ذلك من شأن كتاب؛ لكان القرآن المجيد به أولى، وهو الذي قال الله تعالى فيه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {النحل:89}، وقال: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ {الأنعام:38}، قال الواحدي في الوجيز: ما تركنا في الكتاب من شيءٍ بالعباد إليه حاجةٌ إلاَّ وقد بيَّناه، إمَّا نصًّا، وإمَّا دلالة، وإمَّا مجملًا وإمَّا مفصَّلًا، كقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، أَيْ: لكلِّ شيء يحتاج إليه من أمر الدِّين. اهـ.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به؛ فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبدًا. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وعبد بن حميد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والطبراني في معجمه الكبير، ومحمد بن نصر المروزي في قيام الليل، وجوّده المنذري، وصحّحه الألباني.
ومع حفظ القرآن في الصدور، وفي السطور، إلا إن الأمة قد تفرّقت، وضلّ من ضلّ منها؛ بسبب اتّباع الأهواء، وإيثار الشهوات.
وأمر آخر مهم نود التنبيه عليه، وهو أن هذا الكتاب الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتبه في مرض موته، قد همّ أن يكتب مثله قبل ذلك في آخر حياته أيضًا، ومضمونه على الضدّ مما يزعمه أهل البدع، فعن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: في مرضه: ادعي لي أبا بكر، أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. رواه مسلم. ورواه البخاري بلفظ: لقد هممت، أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد؛ أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون. ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون.
وراجع في ذلك الفتوى: 108262.
والله أعلم.