الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن احتسبها صدقة بعد أن علم بالأمر، فتحسب له -إن شاء الله-؛ لأنه مال للإنسان، نوى التبرع به لمن وقع في يده.
ونظير ذلك: ما وراه مسلم عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ (ينقصه) أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ.
قال القاري في مرقاة المفاتيح: (فَيَأْكُلُ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا ذُكِرَ مِنَ الْمَغْرُوسِ أَوِ الْمَزْرُوعِ ( إِنْسَانٌ ) وَلَوْ بِالتَّعَدِّي ( أَوْ طَيْرٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ) أَيْ: وَلَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ( إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ ). وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ بِأَيِّ سَبَبٍ يُؤْكَلُ مَالُ الْمُسْلِمِ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ. اهـ.
وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: إن أكل منه طير: عصفور، أو حمامه، أو دجاجة، أو غيرها ولو حبة واحدة، فإنه له صدقة، سواء شاء ذلك أو لم يشأ، حتى لو فرض أن الإنسان حين زرع أو حين غرس لم يكن بباله هذا الأمر، فإنه إذا أكل منه صار له صدقة، وأعجب من ذلك لو سرق منه سارق، كما لو جاء شخص مثلاً إلى نخل وسرق منه تمراً، فإن لصاحبه في ذلك أجراً، مع أنه لو علم بهذا السارق لرفعه إلى المحكمة، ومع ذلك فإن الله تعالى يكتب له بهذه السرقة صدقة إلى يوم القيامة!
وفي هذا الحديث دليل على كثرة طرق الخير، وأن ما انتفع به الناس من الخير، فإن لصاحبه أجراً وله فيه الخير، سواء نوى أو لم ينو ...
وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها، كانت خيراً لصاحبها وأجراً وإن لم ينو، فإن نوى زاد خيراً على خير، وآتاه الله تعالى من فضله أجراً عظيماً. انتهى.
والله أعلم.