الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هو أنه يعفى عن يسير النجاسة إن كان يشق التحرز منها.
جاء في مجموع الفتاوى له: وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ حَتَّى بَعْرِ فَأْرَةٍ، وَنَحْوِهَا فِي الْأَطْعِمَةِ، وَغَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَلَوْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَةُ طِينِ الشَّارِعِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ؛ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. وَمَا تَطَايَرَ مِنْ غُبَارِ السِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، عُفِيَ عَنْهُ. انتهى محل الغرض منه.
وهذا ما نقله عنه أيضا الشيخ حمد بن عبد الله بن عبد العزيز الحمد -حفظه الله تعالى- في شرحه لزاد المستقنع.
حيث قال: ذهب شيخ الإسلام -رحمه الله- وهو مذهب أبي حنيفة: إلى أنه يعفى عن يسير النجاسات مطلقاً سواء كانت في مائع أو غيره، ولكن بقيد: وهو أن يكون يشق التحرز منها. قياساً على النجاسة المعفو عنها في موضع الاستجمار، فإن الاستجمار لا يذهب أثر النجاسة كما هو معلوم، وما يبقى بعد الأثر معفو عنه، فقد عفي عنه لمشقة التحرز منه. فكذلك عامة النجاسات التي يشق التحرز عنها؛ فإنه يعفى عن يسيرها، والمراد باليسير: اليسير عرفاً. مثال ذلك: رجل يشتغل بالجزارة، فإنه قد يتساقط على ثوبه قطرات من الدم يشق عليه أن يتحرز منها ليصلي -دائماً- بثوب خال من ذلك، فإنه عندما يصلي وعليه شيء من القطرات اليسيرة فلا بأس بذلك، ومثاله أيضاً: في المجروح، فإنه إذا توقف عنه الدم فإنه يبقى في موضع الدم قطرات .. فإن هذه القطرات التي تكون في موضع الجرح معفو عنها. انتهى.
وبناء عليه، فما ذكرته من تعمد التلطخ بالنجاسة لا ينطبق عليه القيد المذكور، وهو مشقة التحرز من النجاسة.
والله أعلم.