الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يعمر وقته بما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، وليحذر أن يكون رهينا لأجهزة اللهو واللعب تبدد عليه زمنه.
فإن المرء مسؤول عن وقته بين يدي الله يوم القيامة، كما في الحديث: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه .. أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
وإضاعة الأوقات لون من ألوان العقوبة الإلهية للعبد.
قال ابن القيم -في ذكر عقوبات الذنوب-: قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهم والغم وضنك المعيشة وكسف البال، تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله؛ كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار. اهـ. من الفوائد.
وإضاعة الوقت من أشد قطاع الطريق إلى الله والدار الآخرة.
قال ابن القيم: إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. اهـ. من الفوائد.
وقال أيضاً: عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها: علم لا يعمل به، وعمل لا إخلاص فيه ولا اقتداء، ومال لا ينفق منه فلا يستمتع به جامعه في الدنيا، ولا يقدمه أمامه إلى الآخرة، وقلب فارغ من محبة الله والشوق إليه والأنس به، وبدن معطل من طاعته وخدمته، ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب وامتثال أوامره، ووقت معطل عن استدراك فارطه أو اغتنام بر وقربة، وفكر يجول فيما لا ينفع، وخدمة من لا تقربك خدمته إلى الله ولا تعود عليك بصلاح دنياك، وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله، وهو أسير في قبضته، ولا يملك لنفسه حذرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشوراً.
وأعظم هذه الإضاعات إضاعتان هما أصل كل إضاعة: إضاعة القلب، وإضاعة الوقت.
فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة، وإضاعة الوقت من طول الأمل، فاجتمع الفساد كله في إتباع الهوى وطول الأمل، والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء الله. اهـ. من الفوائد.
ثم إنه من المعين -في هذا الأمر- حسن استغلال الوقت، وتنظيمه، وجدولته، بحيث يكون لكل شأن وقته الخاص به لا يزاحمه فيه غيره، فيكون لدى الشخص وقت خاص بالعبادة، ووقت خاص بالنوم والراحة، ووقت خاص بالدراسة، ووقت خاص بالعمل، وهكذا، وكل إنسان أعرف بظروفه وما يناسبه.
وراجعي -للفائدة- الفتاوى: 20110، 35293، 97681، 178485.
والله أعلم.