الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزيادة على الشبع ليست محرمة ما دام الآكل لا يتضرر بذلك، بل هي مكروهة تنزيها، وإنما تحرم الزيادة على الشبع إذا أفضت إلى ضرر محقق بالآكل، قال الهيتمي في التحفة: وصرح الشيخان بكراهة الأكل فوق الشبع، وآخرون بحرمته، ويجمع بحمل الأول على مال نفسه الذي لا يضره، والثاني على خلافه، ويضمنه لصاحبه ما لم يعلم رضاه به؛ كما هو ظاهر .اهـ.
وفي كشاف القناع عن متن الإقناع - من كنت الحنابلة -: (والسنة أن يكون البطن أثلاثا؛ ثلثا للطعام، وثلثا للشراب، وثلثا للنفس) لقوله - صلى الله عليه وسلم - «بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» . (ويجوز أكله أكثر) من ثلثه (بحيث لا يؤذيه و) أكله كثيرا (مع خوف أذى وتخمة يحرم) نقله في الفروع عن الشيخ تقي الدين بعد أن نقل عنه يكره .اهـ.
وفي الفتاوى الهندية: أما الأكل فعلى مراتب:
فرض، وهو ما يندفع به الهلاك، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى.
ومأجور عليه، وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائما، ويسهل عليه الصوم.
ومباح، وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن، ولا أجر فيه، ولا وزر، ويحاسب عليه حسابا يسيرا إن كان من حل.
وحرام، وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد به التقوي على صوم الغد، أو لئلا يستحيي الضيف، فلا بأس بأكله فوق الشبع.
ولا تجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء الفرائض، فأما تجويع النفس على وجه لا يعجز عن أداء العبادات فهو مباح، وفيه رياضة النفس وبه يصير الطعام مشتهى بخلاف الأول، فإنه إهلاك النفس، وكذا الشاب الذي يخاف الشبق لا بأس بأن يمتنع عن الأكل ليكسر شهوته بالجوع على وجه لا يعجز عن أداء العبادات .اهـ.
وأما الأكل غير الصحي: فليس بمجرده وصفا يُناط به التحريم، ويُخرج به عن أصل الإباحة، وإنما مناط التحريم: هو أكل ما يتحقق ضرره بشهادة أهل التخصص، كما سبق مفصلا في الفتوى: 118201.
والله أعلم.