الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي -عفا الله عنك- أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، ومن المحال أن تطلب فيها الراحة والهناء، بل إنها كما قال القائل:
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذار والأكدارِ
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نارِ
فإذا علمتِ أن هذه هي طبيعة الدنيا، وأن البلاء موكل بالناس فيها على كل حال، تبين لكِ خطأ ما تزعمين من أن غيرك مستريح ومتحقق له ما أراد بخلاف ما أنتِ عليه، والذي يعينك على تحمل مضايق الحياة وصعابها، والتقوي على محنها وشدتها أن تنظري في الدنيا لمن هو دونك ممن لم يؤت مثلما أوتيت، وأن تنظري إلى نعم الله الكثيرة عليك، فذلك مفتاح الشكر والرضا بما قسمه الله تعالى.
وأن تعلمي أن الله أرحم بك من أمك التي ولدتك، وأنه أعلم بمصلحتك منك، وأنه هو الغني القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه إن أخَّر العطاء فلحكمة بالغة، وإن ابتلى بالشدة فلما يتضمن ذلك من الرحمة العظيمة، فوطني نفسك على الرضا بقضائه، والتسليم لحكمه سبحانه.
واعلمي أن اختياره لك خير من اختيارك لنفسك، وأنه قد يبتليك لينظر صبرك وثباتك في البلاء، ومن ثَمَّ يضاعف لك العطاء في الدنيا والآخرة، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
فدعي الاعتراض على أقضية الله سبحانه، والزمي طاعته، فإن طاعة الله، ولزوم ذكره من أعظم ما يهون الصعاب، واجتهدي في دعائه، فإنه سبحانه على كل شيء قدير، ولا تملي تكرار الدعاء، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء، وسيأتيك ما قدر لك ولا بد، وهو آت في وقته الذي يعلم الله أن المصلحة والحكمة تقتضيه، رزقك الله ما تقر به عينك.
والله أعلم.