الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن مثل هذه المسائل المتعلقة بالميراث، والتي فيها خصومة بين الورثة، ينبغي أن ترفع إلى المحكمة الشرعية -إن كانت موجودة- أو مشافهة من يصلح للقضاء من أهل العلم حتى يُسمع من جميع الأطراف، ولا يكتفى بالسماع من طرف واحد. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: يَا عَلِيُّ؛ إِذَا جَلَسَ إِلَيْكَ الْخَصْمَانِ، فَلَا تَقْضِ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ، كَمَا سَمِعْتَ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّكَ إِذَا فعَلْتَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ. رواه أحمد، وأبو داود، وحسنه الألباني.
والذي يمكننا قوله لك باختصار: إن لإخوانك غير الأشقاء الحق في المطالبة بنصيبهم في البيت الذي خلفه والدكم وتسكنونه.
فإما أن تشتروا منهم نصيبهم، وإما أن يباع البيت وليس لأحدٍ من الورثة الحق في منع البيع، أو دفع نصيب الآخر، وقد نص الفقهاء على أن الأملاك التي يحصل الضرر بقسمتها، إذا طلب أحد الشركاء بيعها وقسمة ثمنها، لزم بقية الشركاء البيع وأجبروا عليه من قبل الحاكم إن امتنعوا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كَلُّ مَا لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ذَلِكَ؛ وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْبَيْعِ، وَحَكَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ إجْمَاعًا. اهــ.
والأثاث الذي في بيت والدك إن كان حقا اشترته أمك بمال تملكه ليس داخلا في التركة، وادعاؤك بأنك شاركت في بناء البيت هذا لا بد من إقامة البينة الشرعية عليه عند المحكمة. فإن أقمت بينة، وكنت نويت بدفع المال أنه دين على والدك، فلك الحق في أخذ هذا الدين من التركة قبل قسمتها، وإن لم تقم البينة الشرعية فليس لك أن تخصم شيئا بمجرد دعواك، وكذا ادعاؤك بأنك ساهمت في علاج والدك، لا بد فيه أولا من إقامة البينة، ثم إن أقمتها لم يُحكم لك بالمال إذا كان والدك فقيرا؛ لأن نفقة الوالد الفقير واجبة على ولده الغني، والعلاج من جملة النفقة، وليس لك أن تخصم المال المسروق منك من التركة، ولا تبحث عن أعذار واهية لإنقاص حق الورثة، وعليكم بتقوى الله تعالى، وإعطاء كل ذي حق من الورثة حقه.
والله أعلم.