الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا إثم عليك في قطع هذه العطية عن والدك، وليس هذا من العقوق له؛ فما دام والداك في كفاية؛ فلا يجب عليك أن تنفق عليهما، وراجع الفتوى: 104517.
وإذا فرض أنّ والديك بحاجة إلى النفقة، ولم يكن عندك ما يفضل عن حاجتك، وحاجة عيالك؛ فلا يجب عليك أن تنفق عليهما، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط: أحدها: أن يكونوا فقراء لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال، أو كسب يستغنون به، فلا نفقة لهم؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة.
الثاني: أن تكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم فاضلًا عن نفقة نفسه؛ إما من ماله، وإما من كسبه. فأما من لا يفضل عنه شيء، فليس عليه شيء؛ لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم فقيرًا، فليبدأ بنفسه، فإن فضل، فعلى عياله، فإن كان فضل، فعلى قرابته. وفي لفظ: [أبدأ بنفسك، ثم بمن تعول]. حديث صحيح. انتهى. وقال: ومن لم يفضل عن قوته إلا نفقة شخص، وله امرأة، فالنفقة لها دون الأقارب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر: إذا كان أحدكم فقيرًا، فيبدأ بنفسه، فإن كان له فضل، فعلى عياله، فإن كان له فضل، فعلى قرابته. انتهى.
لكن عليك برّ والديك، والإحسان إليهما؛ فإنّ حقهما عليك عظيم، وبرهما من أفضل الطاعات، ومن أحب الأعمال إلى الله تعالى، فتلطّف في الاعتذار لوالدك عن العطية، واستعمل الحكمة، والمداراة، وألِن له الكلام، واجتهد في استرضائه بما تقدر عليه.
والله أعلم.