الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أبوك قد وهب أمك المال الذي اشترت به الذهب، أو اشتراه هو من ماله، ثم وهبها إياه هبة حقيقة، ثم باعته هي لتشاركه بثمنه في شراء هذا العقار، وفعلت ذلك بالفعل - كما هو ظاهر السؤال – فصار نصف العقار لها، ثم ماتت وهو في ملكها، فهو إرث يجب قسمه قسمة شرعية، فيكون لزوجها الربع فقط، والباقي لأولادها، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وحينئذ فكتابة عقد البيع المزور، والشهادة عليه: إثم، تضيع به الحقوق الشرعية لبقية أخواتك الأربع، وهذا ظلم لا يجوز فعله، ولا إقراراه والرضا به، ولا الإعانة عليه. فعليك أن تتوبي إلى الله. فإما أن تبطلي شهادة الزور التي وقَّعت عليها، وإما أن تَرجعي لأصحاب الحق – وهن أخواتك البنات – فتعرضي عليهن الأمر، فإن تنازلن عن حقهن في الإرث لأخيهن وسامحنكِ، فالحمد لله. وإلا لزم إعادة الأمر لنصابه، وإرجاع الحق لأصحابه، وإن غضب لذلك أبوك، فإنه غضب بغير حق، بل هو غضب من إحقاق الحق.
ومع ذلك فعليك أن تتلطفي به بقدر المستطاع، وتجتهدي في إرضائه على قدر إمكانك، دون تعدٍّ لحدود الله، ولا التسبب في تضييع حق أخواتك.
وأما أخوك، فإن كان يعلم بحقيقة الحال، فلا يحل له أخذ نصيب أمه من العقار كاملا، وليس له منه إلا نصيبه الشرعي بالقسمة الشرعية للميراث، فهذه القسمة فرض لازم لا يجوز تعديه ولا تعديله من أي أحدٍ، كائنا من كان، ومن فعل ذلك فقد عرض نفسه لسخط الله تعالى الذي أعطى كل ذي حقه من الميراث، وبيَّن أنصبة المواريث في كتابه، ثم قال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ {النساء:14،13}.
قال السعدي: أي: تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها، ولا القصور عنها. اهـ.
والله أعلم.