الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن النفوس جبلت على حب المال، كما قال الله تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا {الفجر:20}، وقال: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ {العاديات:8}.
وحب المال لا حرج فيه، إذا اكتسب الإنسان المال من الحلال، وقام بحق الله تعالى فيه من الزكاة، ونحوها, والإنفاق في وجوه الخير.
لكن حب المال يكون مذمومًا إذا حمل صاحبه على اكتسابه من الحرام، وإذا شغل عن طاعة الله تعالى, واكتنزه الإنسان, ولم يؤد فيه حق الله تعالى، ففي صحيح مسلم أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا المال خضرة حلوة. فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو. ومن أخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع.
وجاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية، أثناء الحديث عن هذا الموضوع: وأما حكم الإسلام في ذلك: فالذي يعاقب الرجل عليه الحب الذي يستلزم المعاصي، فإنه يستلزم الظلم، والكذب، والفواحش، ولا ريب أن الحرص على المال والرياسة يوجب هذا؛ كما في الصحيحين: أنه قال: «إياكم والشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا».
وعن كعب عن النبي صلى الله عليه, وسلّم أنه قال: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال، والشرف». قال الترمذي: حديث حسن.
فحرصُ الرجل على المال، والشرف يوجب فساد الدين.
فأما مجردُ الحب الذي في القلب، إذا كان الإنسان يفعل ما أمره الله به، ويترك ما نهى الله عنه، ويخاف مقام ربه، وينهى النفس عن الهوى؛ فإن الله لا يعاقبه على مثل هذا، إذا لم يكن معه عمل.
وجمعُ المال إذا قام بالواجبات فيه، ولم يكتسبه من الحرام لا يعاقب عليه، لكن إخراج فضول المال والاقتصار على الكفاية أفضل وأسلم، وأفرغ للقلب، وأجمع للهم، وأنفع في الدنيا والآخرة.
وقال النبي: «من أصبح والدنيا أكبر همه: شتت الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن أصبح والآخرة أكبر همه: جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه ضيعته، وأتته الدنيا وهي راغمة». اهـ.
والله أعلم.