الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤلك أمرين:
أولهما: عدم تصرفك في المبالغ حتى يتم فتح حساب للتداول. وهذا ليس من التفريط، بل هو اللازم؛ لأن مجال الاستثمار في تلك السوق لا بد له من حساب، وقبل فتحه لا يمكن تشغيلها. فما فعلته هو اللازم هنا -فيما يظهر- ولا شيء عليك فيه.
والأمر الثاني: هو خسارة رأس المال: وهذا فيه تفصيل: فإن كانت الخسارة عن تفريط منك، فعليك ضمان رأس المال لهم. وأما لو كنت اجتهدت، ولم يكن منك أي تقصير أو تعد، فلا ضمان عليك، وليس لهم إلزامك برأس المال أو بعضه؛ لأن المضارب مؤتمن، ولا ضمان على مؤتمن إلا بالتعدي أو التفريط.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في كتابه المغني: الخسران في الشركة على كل واحد منهما "يعني: الشريكين " بقدر ماله، فإن كان مالهما متساويا في القدر، فالخسران بينهما نصفين، وإن كان أثلاثا، فالوضيعة (الخسارة) أثلاثا. لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم. وبه يقول أبو حنيفة، والشافعي وغيرهما ...
والوضيعة في المضاربة على المال خاصة، ليس على العامل منها شيء؛ لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال، وهو مختص بملك ربه، لا شيء للعامل فيه، فيكون نقصه من ماله دون غيره، وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء. انتهى.
وقد نصَّ العلماء -رحمهم الله- على أنه لو اشترط على العامل ضمان رأس المال ـ كما في السؤال ـ أن هذا الشرط فاسد لا يجوز العمل به. واختلفوا هل يفسد بسببه العقد أو لا؟
قال ابن قدامة في المغني: متى شرط على المضارب (أي العامل) ضمان المال، أو سهماً من الوضيعة، فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافاً، والعقد صحيح. نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة، ومالك. وروي عن أحمد أن العقد يفسد به. وحكي ذلك عن الشافعي؛ لأنه شرط فاسد، فأفسد المضاربة. والمذهب: الأول "يعني: أن العقد صحيح، والشرط فاسد". انتهى.
وفي كلتا الحالتين سواء قيل بصحة العقد وفساد الشرط، أو فساده والشرط معا، فلا ضمان إلا بالتعدي أو التفريط.
والله أعلم.