الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كره الانسان طعاما، فلا بأس أن يتركه، أو يرده من غير أن يعيبه، ففي صحيح مسلم من حديث أبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَابَ طَعَامًا قَطُّ، كَانَ إِذَا اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِهِ سَكَتَ.
وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في زاد المعاد: وكذلك كان هديُه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وسيرتُه في الطعام، لا يردُّ موجودا، ولا يتكلف مفقودا، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسُه، فيتركَه من غير تحريم، وما عاب طعاما قطُّ، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، كما ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ ولم يحرمه على الأمة، بل أُكِلَ على مائدته وهو ينظر. انتهى.
وهذا إذا كانت كراهيته طبعا، فعافه ولم يستسغه كما قدمنا، وأما إذا كانت كراهيته تسخطا أو احتقارا له، فهذا هو المذموم المنهي عنه، فعن جابر مرفوعا: "كفى بالمرء إثما أن يتسخط ما قرب إليه". رواه أبو يعلي وأبو عوانة والقضاعي في مسانيدهم، والدولابي في الكنى، وابن أبي الدنيا في قرى الضيف، والبيهقي في الشعب، وابن عساكر في معجمه وقال: هذا حديث حسن غريب. اهـ. وضعفه الشيخ الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: (ما قرب إليه ) أي ما قرب له المضيف من الضيافة ، فإن التكلف للضيف منهي عنه، فإذا قدم له ما حضر فسخط فقد باء بشر عظيم لأنه ارتكب المنهي. اهـ.
وقال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير: ما قدم له المضيف من الضيافة؛ فإنه إذا تسخطه ظاهراً كان من ألأم خلق الله وأمقتهم عنده وعند عباده، وثقل على من أضافه، وقد نهى عن تكليف المضيف ما يثقل عليه. وإن سَخِطَه باطناً كَفَرَ النعمةَ وازْدَرَاها، فعليه أن يقبل ما قدم إليه ببشر وانبساط خلق وانشراح صدر. اهـ.
ورواه الإمام أحمد في مسنده، وابن أبي الدنيا في قرى الضيف، والبيهقي في السنن وفي الشعب والآداب، وابن عساكر في تاريخه، من وجه آخر عن جابر موقوفا، بلفظ: "هلاكٌ بالرجل أن يدخل عليه النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم، وهلاكٌ بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم".
قال السندي في حاشته على مسند الإمام أحمد: هو نهي عن احتقار تقديم ما عنده، وعن احتقارهم ذاك الذي قدم إليهم، وبيان أنه يؤدي إلى الهلاك. اهـ.
والله أعلم.