الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فما دمتم قادرين على الكسب، فينبغي النظر في تلك المعونات، وسؤال الجهات المعنية بتوزيعها عن حقيقتها، فإن كانت تلك المعوناتُ صدقاتٍ واجبةً كزكاةٍ، فإنه لا حظ لكم فيها؛ لحديث: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وانظر الفتوى: 268756. عن حكم إعطاء الزكاة للفقير القادر على الكسب.
وإن كانت تلك المعوناتُ صدقات مستحبة، ولم تكن مشروطة لفئة معينة من الناس، فلا حرج عليكم في أخذها؛ إذ صدقة التطوع غير المشروطة، يجوز للغني والقادر على الكسب أخذها إذا أعطيت له، ويستحب له التعفف عن أخذها، هذا من حيث الأخذ من غير سؤال.
وأما سؤالها؟ فيحرم عليه سؤالها عند بعض الفقهاء، قال الإمام النووي في المجموع: تَحِلُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِلْأَغْنِيَاءِ بِلَا خِلَافٍ، فَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ وَيُثَابُ دَافِعُهَا عَلَيْهَا، وَلَكِنَّ الْمُحْتَاجَ أَفْضَلُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا، وَيُكْرَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: وَلَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ أَخْذُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ مَاتَ، فَوُجِدَ لَهُ دِينَارَانِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إذَا سَأَلَ الْغَنِيُّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، فَقَدْ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ. اهـ
ونسأل الله تعالى أن يفرج عنكم، وعن سائر إخواننا المكروبين من اللاجئين، والمضطهدين في مشارق الأرض ومغاربها.
والله تعالى أعلم.