الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقاعدة هذا الباب أن الذي ينبغي للمسلم هو الأخذ بما يتيسر له من الأسباب، وألا يقصر في ذلك، فإن قصر في الأخذ بالأسباب فهو ملوم، وإن أخذ بها بحسب استطاعته، ثم غلبه شيء، فليقل: قدر الله وما شاء فعل، وليسلم أمره لله تعالى، فطالما كان في وسع الشخص الأخذ بالأسباب المشروعة، فليأخذ بها، متوكلا على الله تعالى، فإذا عجز ولم يبق في يده شيء، فلا حيلة حينئذ إلا التسليم، وتفويض الأمر لله تعالى، والإيمان بحكمته البالغة التي تعجز العقول عن إدراك أسرارها.
وهذا كلام نافع جدا لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يضبط هذا الباب، ويجمع شتات هذه القاعدة، قال طيب الله ثراه: وفي سنن أبي داود من رواية عوف بن مالك {أن رجلين تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال المقضي عليه: حسبي الله ونعم الوكيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل} . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن غلبك أمر، فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان}. لا تعجز عن مأمور ولا تجزع من مقدور، ومن الناس من يجمع كلا الشرين؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحرص على النافع، والاستعانة بالله، والأمر يقتضي الوجوب، وإلا فالاستحباب. ونهى عن العجز وقال: {إن الله يلوم على العجز} والعاجز ضد الذين هم ينتصرون، والأمر بالصبر، والنهي عن الجزع معلوم في مواضع كثيرة. وذلك لأن الإنسان بين أمرين: أَمْرٌ أُمِرَ بفعله، فعليه أن يفعله، ويحرص عليه، ويستعين الله، ولا يعجز؛ وأَمْرٌ أصيب به من غير فعله، فعليه أن يصبر عليه، ولا يجزع منه؛ ولهذا قال بعض العقلاء -ابن المقفع أو غيره- الأمر أمران: أمر فيه حيلة، فلا تعجز عنه، وأمر لا حيلة فيه، فلا تجزع منه. وهذا في جميع الأمور. انتهى.
والله أعلم.