الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فها هنا أمور، منها: أن الدعاء في نفسه عبادة، يحبها الله، ويحب من عبده أن يأتي بها، فالداعي فاعل لما يحبه ربه تعالى منه، وهذا من أهم غايات العبودية: تحقيق مراد الله من العبد.
ومن رحمة الله بعباده أن من لم يسأله، يغضب عليه، فهو يحب أن يُدعَى، ويحب أن يُسأل، ويحب الملحين في الدعاء.
ومنها: أنك لا تدرين هل وفيت مقام الدعاء حقه من الصدق، والإخلاص، وتحري الحلال، وتحري أوقات الإجابة، وتجنب موانع إجابة الدعاء، إلى غير ذلك، أم إن عندك تقصيرًا في ذلك؟
ومنها: أن المؤمن يوقن أن الله تعالى حكيم، وأنه تعالى يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، ويلبس كل أحد اللبوس اللائق به، ويعطي كل أحد ما هو مفتقر إليه، وما يليق به من العطاء، فمنعه حكمة، وعطاؤه حكمة، وله الحمد على جميع ما يقدره، ويقضيه، فالعبد يدعوه، ويتضرع إليه، ثم هو يفوض أمره إليه؛ عالمًا أن ما يقدره هو الحكمة، والمصلحة، وأن عقله قاصر عن إدراك الحكم، والغايات المحمودة، وقد قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
ومنها: أن الداعي فائز على كل حال، فهو إن لم يستجب دعاؤه، ادّخر الله له ذلك الدعاء مثوبة، يوفيه إياها أحوج ما يكون إليها يوم القيامة، أو يصرف عنه من السوء مثل ما دعا به، فهو رابح فائز على كل حال، فلا يدع الدعاء، ويستحسر، إلا من حرمان، وخذلان -نسأل الله العافية-.
وبهذه الإضاءات التي أشرنا إليها إجمالًا، تعلمين الخطأ الذي وقعت فيه من شبه الاعتراض على حكمة الله تعالى، ومن الاستحسار، وترك الدعاء، وظن أنه لا ينفع، وأنه مجرد إضاعة للوقت، فبئس الظن ظننت، وبئس الزعم زعمت، بل الدعاء من الإحسان، والله تعالى لا يضيع أجر المحسنين.
ومن ثَمَّ؛ فالنصيحة المبذولة لك هي أن تتضرعي إلى الله تعالى، وتجتهدي في دعائه، ولا تستحسري، وتملي، وتَدَعي الدعاء؛ فإنك رابحة على كل حال، ثم ارضي بما يقدره الله، ويقضيه، عالمة أن قضاءه سبحانه هو الخير، والحكمة، والمصلحة، وأن عقولنا عاجزة، قاصرة عن إدراك ما لله في قضائه من الحكم الباهرة، التي يستحق الحمد عليها.
والله أعلم.