الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسافر يرخص له في الفطر, والقصر إذا كان يقطع في سفره مسافة القصر ( 83 كيلو متر تقريباً ) لأن السفر مظنة المشقة. قال القرافي في الفروق: ولذلك جُعلت البقاع التي في مسافة القصر معتبرة في قصر الصلوات؛ لأنها مظنة المشقة الموجبة للترخيص. انتهى.
أما المريض فلا يباح له الفطر عند أكثر أهل العلم، إلا إذا كان يشق عليه الصوم, وقال بعض أهل العلم: يباح الفطر لأجل أي مرض ولو كان خفيفا.
والفرق بين المسافر والمريض في هذه المسألة، أوضحه ابن قدامة في المغني، حيث قال: أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة. والأصل فيه قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184]، والمرض المبيح للفطر هو الشديد، الذي يزيد بالصوم، أو يخشى تباطؤ برئه.
قيل لأحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع. قيل: مثل الحمى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى، وحكي عن بعض السلف أنه أباح الفطر بكل مرض، حتى من وجع الإصبع والضرس؛ لعموم الآية فيه، ولأن المسافر يباح له الفطر وإن لم يحتج إليه، فكذلك المريض.
ولنا أنه شاهد للشهر، لا يؤذيه الصوم، فلزمه، كالصحيح، والآية مخصوصة في المسافر والمريض جميعا، بدليل أن المسافر لا يباح له الفطر في السفر القصير.
والفرق بين المسافر والمريض، أن السفر اعتبرت فيه المظنة، وهو السفر الطويل، حيث لم يمكن اعتبار الحكمة بنفسها، فإن قليل المشقة لا يبيح، وكثيرها لا ضابط له في نفسه، فاعتبرت بمظنتها، وهو السفر الطويل، فدار الحكم مع المظنة وجودا وعدما، والمرض لا ضابط له؛ فإن الأمراض تختلف، منها ما يضر صاحبه الصوم، ومنها ما لا أثر للصوم فيه كوجع الضرس، وجرح في الإصبع، والدمَّل، والقرحة اليسيرة، والجرب، وأشباه ذلك، فلم يصلح المرض ضابطا، وأمكن اعتبار الحكمة، وهو ما يخاف منه الضرر، فوجب اعتباره. انتهى.
فبهذا يتبين للسائل أن الرخصة بالسفر منوطة بمظنة المشقة الحاصلة من قطع تلك المسافة، وإن لم توجد بالفعل. أما في المرض فالمعتبر هو المشقة ذاتها؛ لعدم انضباط المرض.
والله أعلم.