الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن التلفظ بالكلمات الكفرية دون قصد معناها الكفري، لا يعد كفرًا، ولا يخرج به المسلم من الإسلام، وانظري بيان هذا في الفتوى: 333490.
وأما التوبة مما يشك في تحريمه، أو كونه كفرًا، فهي مشروعة عند بعض العلماء، جاء في الآداب الشرعية: تلزم التوبة شرعًا كل مسلم مكلف قد أثم، من كل ذنب، وقيل: غير مظنون. قال في نهاية المبتدئين: تصح التوبة مما يظن أنه إثم، وقيل: لا، ولا تجب بدون تحقق إثم. قال القاضي: وإذا شك في الفعل الذي فعله هل هو قبيح أم لا؟ فهو مفرط في فعله، وتجب عليه التوبة من هذا التفريط، ويجب عليه أن يجتهد بعد ذلك في معرفة قبح ذلك الفعل أو حسنه؛ لأن المكلف أخذ عليه أن لا يقدم على فعل قبيح، ولا على ما لا يأمن أن يكون قبيحًا، فإذا قدم على فعل يشك أنه قبيح، فإنه مفرط، وذلك التفريط ذنب، تجب التوبة منه، وأصل هذه المسألة مذكور في آخر باب الأمانة.
قال الشيخ تقي الدين: فمن تاب توبة عامة، كانت هذه التوبة مقتضية لغفران الذنوب كلها، إلا أن يعارض هذا العام معارض يوجب التخصيص، مثل أن يكون بعض الذنوب لو استحضره، لم يتب منه؛ لقوة إرادته إياه، أو لاعتقاده أنه حسن. اهـ. باختصار. وراجعي الفتوى: 333868.
وأما توبة العبد، واستغفاره مما لا يعلمه من الذنوب -كفرًا كان أو غيره-، فهي مشروعة بلا ريب، كما بيناه في الفتوى: 391918.
وعلى كل حال: فما دمت تبت، واستغفرت مما صنعت، فقد أديت ما عليك -هذا إذا سلمنا أن ما فعلته كفر، ولم يكن الأمر مجرد وسوسة منك-، فأعرضي عن التفكير في تلك الوقائع، واتركي السؤال عنها، واشتغلي بتحقيق التوبة، والإكثار من الاستغفار، والأعمال الصالحة، وهذا الذي يشرع لكل مسلم في كل حال.
وراجعي للفائدة الفتاوى: 298288، 209236، 353314.
والله أعلم.